قال جعفر بن يحيى الحكّاك : قال لي أبو نصر السجزي ، إنّه سمع أبا سعيد الماليني يقول : قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى عليّ ، على أبي حيّان فقال : هذه الرسالة عملتُها ردّا على الروافض ، وسببها أنّهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء ـ يعني ابن العميد ـ فكانوا يغلون في حال عليّ فعملت هذه الرسالة. [قلت :] (١) فقد اعترف بالوضع.
وقال ابن حجر : قرأت بخطّ القاضي عزّ الدين بن جماعة أنّه نقل من خطّ ابن العلاج ، أنّه وقف لبعض العلماء على كلام يتعلّق بهذه الرسالة ملخّصه : لم أزل أرى أبا حيّان عليّ بن محمد التوحيدي معدوداً في زمرة أهل الفضل ، موصوفاً بالسداد في الجدّ والهزل ، حتى صنع رسالة منسوبة إلى أبي بكر وعمر راسلا بها عليّا رضى الله عنه ، وقصد بذلك الطعن على الصدر الأوّل ، فنسب فيها أبا بكر وعمر إلى أمر لو ثبت لاستحقّا فوق ما يعتقده الإماميّة [فيهما] (٢) ، فأوّل ما يدلُّ فيها على افتعاله في ذلك نسبته إلى أبي بكر إنشاء خطبة بليغة تملّق فيها لأبي عبيدة ليحمل له رسالته إلى عليّ رضى الله عنه ، وغفل عن أنّ القوم كانوا بمعزل عن التملّق ، ومنها قوله : ولعمري إنّك أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قرابة ، ولكنّا أقرب إليه قربةً ، والقرابة لحم ودم والقربة نفس وروح.
وهذا يشبه كلام الفلاسفة ، وسخافة هذه الألفاظ تغني عن تكلّف الردّ ، وقال فيها : إنّ عمر رضى الله عنه قال لعليّ في ما خاطبه به : إنّك اعتزلت تنتظر وحياً من جهة الله ، وتتواكف مناجاة الملك. وهذا الكلام لا يجوز نسبته إلى عمر رضى الله عنه ، فإنّه ظاهر الافتعال ، إلى غير ذلك ممّا تضمّنته الرسالة من عدم الجزالة التي تعرف من طراز كلام السلف (٣). ميزان الاعتدال (ج ٣) ، لسان الميزان (٦ / ٣٦٩).
__________________
(١) ما بين المعقوفين للذهبي في ميزان الاعتدال.
(٢) الزيادة من المصدر.
(٣) ميزان الاعتدال : ٤ / ٥١٨ رقم ١١٣٧ ، لسان الميزان : ٧ / ٣٩ رقم ٣٧١.