ـ ٥ ـ
نقل الجنائز إلى المشاهد
لقد كثرت الجلبة واللغط حول هذه المسألة من أُناس جاهلين بمواقع الأحكام ، ذاهلين عن مصادر الفتيا ، حسبوا أنّها من مختصّات الشيعة فحسب ، ففوّقوا إليهم نبال الطعن ، وشنّوا عليهم الغارات ، وهناك أغرارٌ تصدّوا للدفاع ـ وهم مشاركون لأولئك في الجهل أو الذهول ـ بأنّها من عمل الدهماء فلا يحتجُّ بها على المذهب أو العلماء ، وآخر حرّف الكلم عن مواضعه ابتغاء إثبات أُمنيّته ، ولكن وراء الكلّ حذّاق البحث كشفوا عن تلكم السوءات.
عزب على المساكين أنّ للشيعة موافقين من أهل المذاهب الأربعة في جواز نقل الموتى لأغراض صحيحة إلى غير محالِّ موتهم قبل الدفن وبعده ، مهما أوصى به الميّت أو لم يوصِ به.
قالت المالكيّة : يجوز نقل الميّت قبل الدفن وبعده من مكان إلى آخر بشروط ثلاثة : أوّلها : أن لا ينفجر حال نقله. ثانيها : أن لا تنهتك حرمته بأن يُنقل على وجه يكون فيه تحقير له. ثالثها : أن يكون نقله لمصلحةٍ كأن يُخشى من طغيان البحر على قبره ، أو يراد نقله إلى مكان تُرجى بركته ، أو إلى مكان قريب من أهله ، أو لأجل زيارة أهله إيّاه ، فإن فُقِدَ شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل (١).
وقالت الحنابلة : لا بأس بنقل الميّت من الجهة التي مات فيها إلى جهة بعيدة عنها ، بشرط أن يكون النقل لغرض صحيح كأن يُنقَل إلى بقعة شريفة ليُدفَن فيها ، أو ليُدفَن بجوار رجل صالح ، وبشرط أن يُؤمن تغيّر رائحته ، ولا فرق في ذلك بين أن
__________________
(١) الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ٤٢١ [١ / ٥٣٧]. (المؤلف)