وللنوعية قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) [البقرة : الآية ٩٦] ، أي نوع من الحياة مخصوص ، وهو الحياة الزائدة كأنه قيل : ولتجدنّهم أحرص الناس وإن عاشوا ما عاشوا على أن يزدادوا إلى حياتهم في الماضي والحاضر حياة في المستقبل ، فإن الإنسان لا يوصف بالحرص على شيء إلا إذا لم يكن ذلك الشيء موجودا له حال وصفه بالحرص عليه ، وقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) [النّور : الآية ٤٥] يحتمل الإفراد والنوعية أي خلق كل فرد من أفراد الدواب من نطفة معينة ، أو كل نوع من أنواع الدواب من نوع من أنواع المياه.
أو للتعظيم والتهويل أو للتحقير ، أي ارتفاع شأنه أو انحطاطه إلى حدّ لا يمكن معه أن يعرف ، كقول ابن أبي السّمط :
له حاجب عن كل أمر يشينه |
|
وليس له عن طالب العرف حاجب (١) |
أي له حاجب أيّ حاجب ، وليس له حاجب ما.
أو للتكثير ، كقولهم : إن له لإبلا ، وإن له لغنما ، يريدون الكثرة.
وحمل الزمخشري التنكير في قوله تعالى : (قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) [الشّعراء : الآية ٤١] عليه.
أو للتقليل ، كقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) [التّوبة : الآية ٧٢] أي شيء من رضوانه أكبر من ذلك كله ؛ لأن رضاه سبب كلّ سعادة وفلاح ، من النعم ، وإنما تهنأ له برضاه ، كما إذا علم بسخطه تنغّصت عليه ، ولم يجد لها لذة وإن عظمت.
وقد جاء التعظيم والتكثير جميعا ، كقوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [فاطر : الآية ٤] أي رسل ذوو عدد كثير ، وآيات عظام ، وأعمار طويلة ، ونحو ذلك.
والسكاكيّ لم يفرق بين التعظيم والتكثير ، ولا بين التحقير والتقليل ؛ ثم جعل التنكير في قولهم : «شرّ أهرّ ذا ناب» للتعظيم ، وفي قوله تعالى : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) [الأنبياء : الآية ٤٦] لخلافه ، وفي كليهما نظر ، أما الأول فلما سيأتي ، وأما الثاني فلأن خلاف التعظيم مستفاد من البناء للمرة ومن نفس الكلمة ، لأنها إما من قولهم : نفحت الريح ، إذا هبّت ، أي هبة ، أو من قولهم : نفح الطّيب ، إذا فاح ، أي
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لأبي الطمحان القيني في ديوان المعاني ١ / ١٢٧ ، ولابن أبي السمط في معاهد التنصيص ١ / ١٢٧ ، ولمروان بن أبي حفصة في شرح شواهد المغني ص ٩٠٩ ، وبلا نسبة في أمالي القالي ١ / ٢٣٨ ، ومغني اللبيب ص ٥٧٧.