جريا على مقتضى اللازم فيمن كان مأمورا حقيقة من تقديم التنبيه ؛ ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادى ؛ قصدا بذلك لمعنى الترشيح.
ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء ؛ لابتداء الطّوفان منها ، ونزولها لذلك في القصة منزلة الأصل.
ثم أتبعهما قوله : (وَغِيضَ الْماءُ) لاتصاله بقصة الماء.
ثم أتبعه ما هو المقصود من القصة ، وهو قوله : وقضي الأمر» أي : أنجز الوعد من إهلاك الكفرة ، وإنجاء نوح ومن معه في السفينة ، ثم أتبعه حديث السفينة ، ثم ختمت القصة بما ختمت.
هذا كله نظر في الآية من جانب البلاغة.
وأما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوي ؛ فهي ـ كما ترى ـ نظم للمعاني لطيف وتأدية لها ملخصة مبينة لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد ، ولا التواء يشيك الطريق إلى المرتاد ، بل ألفاظها تسابق معانيها ومعانيها تسابق ألفاظها.
وأما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية ؛ فألفاظها على ما ترى عربية ، مستعملة ، جارية على قوانين اللغة ، سليمة عن التنافر ، بعيدة عن البشاعة ، عذبة على العذبات ، سلسة على الأسلات ، كل منها كالماء في السلاسة ، وكالعسل في الحلاوة ، وكالنسيم في الرّقّة ، والله أعلم.