فيكون من أدقّ العلوم سرّا (١) [ويكشف عن وجوه (٢) الإعجاز في نظم القرآن أستارها (٣)] أي به يعرف أنّ القرآن معجز لكونه (٤) في أعلى مراتب البلاغة لاشتماله (٥) على الدّقائق
______________________________________________________
(١) لا يقال : إنّ هذا التّفريع لا وجه له لأنّ دقّة المعلوم مستلزم لدقّة العلم لا لأدقّيّته.
فإنّه يقال : إنّ ما ذكر إنّما يتمّ على أن يكون التّفريع المذكور على قوله «إذ به تعرف دقائق العربيّة» إلّا أنّ الأمر ليس كذلك بل التّفريع على قوله «إذ به تعرف ...» منضمّا إلى مقدّمة مشهورة ولو ادّعاء وهي أنّ دقائق العربيّة أدقّ دقائق العلوم وهذه المقدّمة حذفت في عبارة المصنّف لشهرتها والتّقدير إذ به تعرف دقائق العربيّة وأسرارها الّتي هي من أدق الدّقائق فيستقيم التّفريع حينئذ.
(٢) قوله : «وجوه» جمع وجه ، وله معنيان قريب وهو العضو المخصوص ، وبعيد وهو الطّريق على الأرض ، والمراد به هنا هو المعنى الثّاني.
والظّرف أعني قوله : في نظم القرآن حال عن وجوه الإعجاز أو من نفس الإعجاز لصحّة إقامة المضاف إليه مقام المضاف. بأن يقال وبه يكشف عن الإعجاز في نظم القرآن أستاره ، وفي مثل ذلك لا مانع من وقوع الحال عن المضاف إليه كما قال ابن مالك :
ولا تجرّ حالا من المضاف له |
|
إلّا إذا اقتضى مضاف عمله |
أو كان جزء ماله أضيفا |
|
أو مثل جزئه له فلا تحيفا |
ثمّ إنّ المراد بالوجوه : إمّا الخصوصيات الكائنة في ألفاظ القرآن الموجبة لإعجازه بحيث لا يمكن للبشر الإتيان بمثله. وإمّا مراتب الإعجاز الكائنة في آيات القرآن فإنّها مختلفة في البلاغة ، وإن كان كلّها بالغا حدّ الإعجاز.
(٣) قوله : «أستارها» مرفوع لأنّه نائب فاعل لقوله : «يكشف» وهو على صيغة المجهول معطوف على قوله : «يعرف» وليس على صيغة المعلوم بأن يكون مسندا إلى ضمير يعود إلى علم البلاغة إذ عندئذ لا بد من نصب أستارها وهو مناف للسّجع.
(٤) قوله : «لكونه في ...» علّة لكون القرآن معجزا.
(٥) علّة لكون القرآن في أعلى مراتب البلاغة.