فمورد الحمد (١) لا يكون إلّا اللّسان ومتعلّقه يكون النّعمة وغيرها ومتعلّق الشّكر لا يكون إلّا النّعمة ومورده يكون اللّسان وغيره فالحمد أعمّ من الشّكر باعتبار المتعلّق وأخصّ باعتبار المورد ،
______________________________________________________
(١) بيان للنّسبة بين الحمد والشّكر وكلمة «فاء» واقعة في جواب شرط مقدر ، والتّقدير : إذا عرفت تعريف كلّ من الحمد والشّكر وأردت معرفة مورد كلّ منهما ومتعلّقه «فمورد الحمد ...». ثمّ المراد من المورد ما ورد منه الحمد لا ما يرد عليه لأنّ اللّسان ما ورد منه الحمد وصدر منه ليس ما يرد عليه.
والكلام في تفصيل ما هو المراد من تلك العناوين الثّلاثة لغة واصطلاحا وبيان النّسبة بينها وإن كان خارجا عمّا هو المقصود من رعاية الاختصار إلّا أنّ البحث عنها إجمالا لا يخلو من فائدة فنكتفي بما في المفصّل في شرح المطوّل حيث قال رحمهالله : إنّ كلمات اللّغويّين في هذا المقام مقلقلة جدا ـ إلى أن قال : ـ بعد ذكر كلماتهم ، ما هذا لفظه : فإذا لا يمكن الاطمئنان على شيء منها ، والّذي يطمأنّ به في المقام أن يقال : الحمد هو الثّناء باللّسان الذّي عقل على الجميل بقصد التّعظيم والتّبجيل ، سواء كان اختياريّا ، كالأفعال الاختياريّة والملكات المنتهيّة إلى الاختيار ، أو كان غير اختياري كالغرائز المودعة في كمون البشر من دون دخل لقدرته عليها والصّفات الذّاتيّة الكائنة لله تعالى فإنّها عينه على ما هو الحقّ لا مخلوقة له ومترتّبة على اختياره وإعمال قدرته ، والذّي يدلّنا على ذلك التّبادر العرفي ، فإنّ المتبادر من الحمد هذا المعنى عرفا وبضميمة أصالة عدم النّقل نثبت أنّه كان كذلك لغة ، والمراد بالشّكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بإنعامه سواء كان ذكرا باللّسان أو اعتقادا ومحبّة بالجنان أو عملا وخدمة بالأركان بعين ما ذكرناه في الحمد ، فإنّ المتبادر منه عرفا ذلك وبضميمة أصالة عدم النّقل نثبت أنّه كان كذلك لغة.
والمراد بالمدح : هو الثّناء باللّسان الذّي عقل أو غيره على الجميل اضطراريا أو غيره ، والدّليل عليه أيضا هو التّبادر العرفي ، فإنّ المتبادر منه عرفا هو هذا المعنى ، وبضميمة أصالة عدم النّقل نثبت أنّه كان كذلك لغة.
فالنّسبة بين الشّكر اللّغوي وكلّ من المدح والحمد اللّغويّين عموم من وجه ، لتصادق الجميع في الثّناء باللّسان في مقابل الإحسان ، وصدق الشّكر دونهما في العمل بالأركان