بسم الله الرّحمن الرّحيم (١) نحمدك (٢)
______________________________________________________
(١) من عادة كلّ مسلم أن يبدأ بالبسملة كتبا فيما إذا أراد أن يكتب رسالة أو كتابا ، ويبدأ بها تلفّظا فيما إذا أراد فعلا من الأفعال لأنّها شعار إسلاميّ ودينيّ ، فيجب لكلّ مؤمن أن يتّخذها شعارا في مقابل كلّ مشرك وملحد ، هذا ملخّص الوجه في ذكر البسملة ، وانتظر تفصيل الكلام في كلّ جزء من أجزاء هذه الجملة الشّريفة في خطبة الماتن.
(٢) إنّ الحمد هو الثّناء باللّسان على قصد التّعظيم سواء تعلق بالنّعمة أو بغيرها ، والمراد بالثّناء وهو الذّكر بخير ضدّ النّشاء وهو الذّكر بشرّ ثمّ الثّناء اسم مصدر من أثنيت بمعنى ذكرت بخير ، لا من ثنّيت بمعنى كررت وذلك لتحقّق الحمد عند الوصف بالجميل من دون حاجة إلى التّكرار. واختار التّعبير بالحمد على التّعبير بالشّكر والمدح ، أي لم يقل أشكرك أو أمدحك لوجوه :
الأوّل : للاقتداء بالقرآن العظيم وفيه (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)).
الثّاني : للعمل بحديث «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم».
الثّالث : للتّنبيه على أنّه تعالى فاعل مختار كما عليه المسلمون الأخيار.
ثمّ الوجه الأوّل والثّاني وإن كانا مشتركين بين ترك التّعبير بالشّكر والمدح إلّا أنّ الوجه الثّالث يختصّ بالمدح فإنّه يشمل الثّناء باللّسان على الجميل الغير الاختياري. وهذا لا يصحّ على ما هو الحقّ من أنّ الله تعالى فاعل مختار. واختار الجملة الفعليّة المضارعيّة على الاسميّة والماضويّة ، لإفادتها تجدّد مضمونها على سبيل الدّوام والاستمرار والجملة الاسميّة لا تدلّ إلّا على الدّوام فقط ، والماضويّة لا تدلّ إلّا على الحدوث فقط. ومن البديهي أنّ اختيار ما يدلّ على الأمرين معا أولى مما لا يدلّ إلّا على أحدهما. فما اختاره الشّارح هنا من الجملة المضارعيّة أولى ممّا يأتي في كلام الماتن من الجملة الاسميّة حيث قال : الحمد لله.
وفي اختياره صيغة المتكلّم مع الغير حيث قال : «نحمدك» مع أن المقام هو مقام المتكلّم وحده إشارة إلى جلالة مقام الحمد ، وأنه من الجلالة إلى حدّ لا تفي قوّة شخص واحد في أدائه. وعدل عن الاسم الظّاهر بكاف الخطاب ، أي قال : «نحمدك» ولم يقل : نحمد الله ، وذلك لأنّ في الخطاب إشارة إلى قوّة إقبال الحامد على جنابه تعالى ، حتّى حمده على