[من أجلّ العلوم قدرا وأدقّها سرّا (١) إذ به (٢)] أي بعلم البلاغة وتوابعها لا بغيره من العلوم (٣) كاللّغة والصّرف والنّحو [تعرف دقائق العربية (٤) وأسرارها (٥)]
______________________________________________________
وقد جعل المصنّف البديع علما مستقلّا مع أنّ الزّمخشري جعله ذيلا لعلمي البلاغة ولم يجعله علما برأسه ، وكونه علما مستقلّا كما جعله المصنّف أولى لأن البديع له موضوع متميّز عن موضوع علم البلاغة وله غاية متميّزة أيضا.
فالبديع أيضا علم يتعلّق بتوابعها وهي الوجوه المحسّنة للكلام البليغ كالجناس والطّباق والتّلميح ونحو ذلك من المحسّنات اللّفظيّة والمعنويّة المتكفّلة لبيانها علم البديع.
(١) أي «لمّا كان علم البلاغة وتوابعها من أجل العلوم قدرا» أي رتبة ومنزلة «وأدقها سرّا» أي نكتة لطيفة وأتى بمن تبعيضيّة للإشارة إلى أنّ علم البلاغة وتوابعها ليس أجلّ جميع العلوم ، بل من الطّائفة الّتي تكون أجلّ العلوم كعلم التّوحيد والتّفسير والفقه والحديث.
ثمّ قوله : «قدرا» تمييز من نسبة الأجلّ إلى العلوم محوّل عن الفاعل ، وتقدير الكلام فلمّا كان أي لمّا كان علم البلاغة وتوابعها من طائفة علوم أجلّ قدرها من العلوم ، وكذا قوله : «سرّا» أي من علوم أدقّ سرّها من العلوم. ولك أن تجعلهما تمييزا محوّلا عن اسم ، كان قدر علم البلاغة وسرّه من أجلّ أقدار العلوم ، ومن أدقّ أسرارها ألّفت مختصرا.
(٢) تعليل لكون علم البلاغة وتوابعها من أجلّ العلوم.
(٣) إشارة إلى أنّ تقديم الظّرف أعني : «به» لإفادة الحصر ، والمراد به الحصر الإضافي لا الحقيقي حتّى يرد أنّ دقائق اللّغة العربيّة تعرف بحسب السّليقة أيضا.
(٤) أي اللّغة العربيّة ، وإنّما ترك ذكر الموصوف ليوقع السّامع في توهّم أمر غير مطابق للواقع ، وهو أنّ دقائق جميع العلوم الأدبيّة تعرف بهذا العلم والدّاعي إلى هذا الإيهام إفادة تفخيم شأنه.
(٥) أي أسرار العربيّة وعطفها على «دقائق» تفسيريّة والمراد بالدّقائق والأسرار هي المعاني الّتي تدلّ عليها التّراكيب باعتبار الخصوصيات الكائنة فيها وهي عبارة عن مقتضيات الأحوال كالتّقديم والذّكر والحذف والتّأخير والتّأكيد وأمثال ذلك ، فعليه يراد بالدّقائق الأحوال كالشّكّ والإنكار وخلوّ الذّهن والبلادة والفطانة ، وبالأسرار الاعتبارات الّتي تقتضيها تلك الأحوال كالتّأكيد الاستحساني والوجوبي والتّجريد والذّكر والحذف وغير ذلك ، ممّا يفصّله علم المعاني.