فأما كون وقوع المثال بالطّيور بدلا من سائر الحيوانات ، فهو أن يقع الشّبه فيها بأحوال البعث من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها تقبل التّعليم حتى تدعى فتجيب ، كالنّسر والعقاب والبازي والسّوذنيق (١) والغراب والطّاوس ، إلى غير ذلك.
وأنّها تؤخذ أفراخا وتعلّم فتقبل التّعليم حتى تطير ، وترجع إلى داعيها إذا دعيت ، وكذلك الملك إذا دعا الموتى من القبور جمعوا وحيوا وأتوه.
والثّاني : أنّ الطّيور إذا دعيت أتت بسرعة تفوق بها سائر الحيوانات ، وكذلك الملك إذا دعا الموتى أتوه بسرعة ، كما قال تعالى : (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) [القمر : ٥٤ / ٨] أي مسرعين ، وقال تعالى : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) [المعارج : ٧٠ / ٤٣].
الثالث : أنّ الطّير تأتي في الهواء على خطّ استواء فتكون أسرع في الإتيان ، وأظهر للرّائي فإنّها لا تفوت بصره. فلو كانت غير الطّيور من الحيوانات كالأرنب والثّعلب والكلب والذّئب ، إلى غير ذلك ، وجاءته لكانت تتوارى في بعض الغيطان وخلف الشّجر والرّبا إلى غير ذلك ، فكانت تغيب عن بصر إبراهيم عليهالسلام تارة وتظهر أخرى ، فما كانت تتمّ له الرؤية التي طلب ، إذ قال : (رَبِّ أَرِنِي).
وأمّا كونها أربعة ولم يكن أكثر ولا أقلّ ، فلأن يقع الاكتفاء بها في الجهات الأربع ، وهو المقصود أيضا بكون الجبال أربعة ، وذلك لأنّ الجهات ستّ : فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف.
ومعلوم أنّ أجزاء الحيوانات الأرضيّة إذا تبدّدت بعد موتها لا تصعد إلى فوق ، ولا تغوص إلى تحت ، وإنّما تتبدّد في الجهات الأربع.
__________________
(١) السّوذنيق : الصّقر.