قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) تنبيه لنبيّنا عليهالسلام ليتهيّأ لقبول الخطاب ، كما قدّمنا في قصة زيد ، فكأنّه يقول له : وقد أخبرك عن قول إبراهيم إذ طلب أن أريه كيف أحيي الموتى ، فأسعفته في ذلك وأريته الكيفيّة. فذكره تعالى إسباغ آلائه على أنبيائه وإسعافه لهم فيما يثلج به صدورهم ممّا غاب عنهم من بعض الجائزات في معلوماته تعالى.
وأما قولة إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) وأنه طلب أن يريه تعالى مثلا محسوسا يطلعه على كيفيّة الجمع من أقاصي الأرض وبطون الحيوانات ، وكيفية سرعتها في الحركات عند الاجتماع ، ولأي أصل تجتمع ، وعلى أيّ وجه تتصوّر ، إذ الجواز بحر لا ساحل له.
وقد نبّه عليهالسلام على بعض هذه الكيفيات فقال (١) : كلّ ابن آدم تأكله الأرض إلاّ عجب الذّنب فإنه منه خلق وفيه يركّب.
ومعنى (خلق) هنا : (صوّر) لكون الشّيء لا يخترع من الشّيء ، وإنما يخترع لا من شيء. وأخبر عليهالسلام أنّ عجب الذّنب الذي هو وسط الجرم منه بدئ تركيبه في الرّحم ، وإليه ترجع الأجزاء الزّائلة عنه في نواحي الأرض إذا بعث.
وفي هذا الحديث دليل على أنّ أكل الأرض إنّما هو عبارة عن تبدّد الأجزاء في الجهات لا عدمها البتّة (٢).
__________________
(١) في صحيح مسلم ٤ / ٢٢٧١ ، من حديث أبي هريرة ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كلّ ابن آدم يأكله التراب إلاّ عجب الذّنب ، منه خلق ، وفيه يركّب».
(٢) قال تعالى في سورة ق : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ. أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) [ق :٥٠ / ٢ ـ ٤]. قال القرطبي في التفسير ٩ / ٤ : «أي علمنا ما تأكل من أجسادهم فلا يضلّ عنّا شيء حتى تتعذّر الإعادة ..» وفسر بعضهم النقص بالموت ..