بِآلِهَتِنا)؟ فقال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) ، وأشار إلى كبير الأصنام ، وهو قد شوّه صورته ، وسمل عينيه (١) وجدع أنفه ، ومقطوع به أنّه قال ذلك ليقيم الحجّة عليهم في نفي الإلهيّة عمّا اعتقدوه من الكواكب والأصنام ، فصارت هذه القولة في معناها ، تشبه تلك الأقوال الثّلاثة في الكواكب. فلمّا كانت الأقوال مع قوله في الصّنم على وجه واحد من إقامة الحجّة على مذهب الخصم ، ومقابلة الفاسد بالفاسد ، صارت كالواحدة في المعنى .. ثم أضاف لها القولتين المختلفتين ، في النّظر في النّجوم ، وقوله في أهله للملك الجبّار «هي أختي» ، فصارت ثلاثا (٢).
وأمّا الثالثة التي هي قوله للملك الذي أراد أن يأخذ منه أهله عنوة ، فسأله : ما هذه التي معك؟ فقال : هي أختي ، فكان قوله ذلك طمعا في تخليصها منه بهذه القولة ليقيم عذره عند الملك ، لكون الغيرة على الأخت ، آكد منها على الزّوج. فقال له ذلك لعلّه يتركها له ، كالّذي فعل. فلو قال هي زوجتي فربّما كان يقول له : انزل لي عنها أتملّكها على الوجه الذي كانت عندك. فلمّا كانت القولتان تخالف الواحدة التي اتّحدت مع الثلاث في إقامة الحجّة على الخصوم ، بعد تسليم مذهبهم لهم جدلا عدّ الكلّ ثلاثا ، لاتّحاد الأربعة الأقوال في المعنى.
الوجه الثاني : أن تكون القولات الثّلاث في الكواكب التي لم يعدها من الكذبات ، بأمر من الله تعالى ، أمر أن يقولها فقالها ولم يعدها كذبات لكونه مأمورا بها ، وتلك الثّلاث التي عدّها كانت عن نظره واجتهاده فأبهمها بأن رأى أنّ السّكوت عنها كان له أولى ، على ما قدّمناه في حقّهم من مراعاة الأولى.
__________________
(إِبْراهِيمُ. قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ. قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) [الأنبياء : ٢١ / ٥٩ ـ ٦٣].
(١) سمل عينيه : اقتلعهما.
(٢) انظر الحديث بتمامه في صحيح مسلم ٤ / ١٨٤٠.