.................................................................................................
______________________________________________________
والتراب من لا شيء ، فقال : (لكن) فكان ، كما شاء ، وأراد بشرا سويا.
ولكن من بديع قدرته وعجائب صنعته ، وسعة إحاطته ، ولطيف خبره ، رتّب المسبّبات على الأسباب ، تنبيها للألباب ، وكشفا للحجاب عن طريق الرشد والصواب ، ودليلا على تفرّده بالاستغناء الحقيقي والوجود الأزلي قال الصادق عليه السّلام : «إلى الله أن يجرى الأشياء إلّا على الأسباب» (١) (٢).
قال بعض العلماء : هذا واجب في الحكمة الإلهية ، ليعرف بذلك أنّه لا سبب له ، فيكون ذلك لطفا في معرفته تعالى.
ألا ترى إلى قول أمير المؤمنين عليه السّلام : «وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له» (٣) ومثله ما روى عن الصادق عليه السّلام : «لو لم يكن الشّاهد دليلا على الغائب لما كان للخلق طريق إلى إثباته تعالى» (٤).
وكان في مشاهدة ذلك وما اشتملت عليه من التدبير ، حيث خلق الشهوة باعثة ، كالموّكل بالفحل في إخراج البذر ، وبالأنثى بالتمكن من الحرث ، تلطفا بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بسبب الوقاع ، كالمتلطف بالطير في بثّ الحبّ الّذي يشتهيه ، ليساق إلى الشبكة ، ثمَّ ألقى في قلوبهما من الحنّة عليه والرأفة به ما يربّيانه بها ، إظهارا للقدرة وإتماما لعجائب الصنعة ، وتنبيها على لطيف الحكمة ، وتوقيفا على
__________________
(١) أي جرت عادته سبحانه على وفق قانون الحكمة والمصلحة أن يوجد الأشياء بالأسباب ، كايجاد زيد من الآباء والمواد والعناصر ، وإن كان قادرا على إيجاده من كتم العدم دفعة بدون الأسباب ، وكذا علوم أكثر العباد ومعارفهم جعلها منوطة بشرائط وعلل وأسباب ، كالمعلم ، والرسول ، والملك ، واللوح ، والقلم ، وان كان يمكنه افاضتها بدونها ، وكذا سائر الأمور التي تجري في العالم ، (مرآة العقول : ج ٢ ص ٣١٢).
(٢) الكافي : ج ١ باب معرفة الامام والرد اليه ، ص ١٨٣ قطعة من حديث ٧.
(٣) نهج البلاغة : (صبحي الصالح) الخطبة ١٨٦ ص ٢٧٣ س ٢.
(٤) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ٢٨٦ الحديث ٢٨.