فصار معنى كون الاسم مضافا إليه معنى العمدة بحرف : معنى آخر منضما إلى المعنيين المذكورين علامته الجر ، فإن سقط الحرف ظهر الإعراب المحلي في هذه الفضلة ، نحو : الله لأفعلن ، فإذا عطف على المجرور ، فالحمل على الجر الظاهر أولى من الحمل على النصب المقدر ، وقد يحمل على المحل كما في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ)(١) ، بالنصب ، فإن سقط الجار مع الفعل لزوما كما في الإضافة زال النصب المقدّر ، كما سيجيء.
ثم اعلم أن محدث هذه المعاني في كل اسم هو المتكلم ، وكذا محدث علاماتها لكن نسب احداث هذه العلامات إلى اللفظ الذي بواسطته قامت هذه المعاني بالاسم ، فسمّي عاملا ، لكونه كالسبب للعلامة ، كما أنه كالسبب للمعنى المعلّم ، فقيل : العامل في الفاعل هو الفعل ، لأنه به صار أحد جزأي الكلام ، وكذا : العامل في كل واحد من المبتدأ والخبر هو الآخر على مذهب الكسائي (٢) والفراء (٣) إذ كل واحد منهما صار عمدة بالآخر ؛
واختلف في ناصب الفضلات ، فقال الفراء : هو الفعل مع الفاعل ، وهو قريب على الأصل المذكور ، إذ باسناد أحدهما إلى الآخر صار فضلة ، فهما معا سبب كونها فضلة فيكونان ، أيضا ، سبب علامة الفضلة.
وقال هشام بن معاوية (٤) : هو الفاعل ، وليس ببعيد ، لأنه جعل الفعل الذي هو الجزء
__________________
(١) الآية ٦ من سورة المائدة.
(٢) الكسائي : هو أبو الحسن علي بن حمزة. من أصل فارسي. تعلم النحو بعد أن كبر ثم صار إماما فيه وأصبح زعيم نحاة الكوفة وهو أحد القراء السبعة توفي سنة ١٨٩ ه.
(٣) الفراء : هو أبو زكريا : يحيى بن زياد ، أصله من الديلم وكان أعلم أهل الكوفة بالنحو بعد الكسائي.
وعنه أخذ النحو ؛ ومع تعصبه الزائد ضد سيبويه ، وجد كتاب سيبويه تحت وسادته بعد موته. له كتاب معاني القرآن توفي سنة ٢٠٧ ه.
(٤) هشام بن معاوية : أبو عبد الله النحوي الكوفي كان من أبرز أصحاب الكسائي وله آراء بارزة في النحو.
وينقل عنه الرضى كثيرا ويطلق عليه : هشام الضرير لأنه كان أعمى. وقد يكتفي الرضى في النقل عنه بقوله وقال هشام ، لاشتهاره.