بأكسائها (١) القيروانات على قنو البغال ، تسوقها العبدان ، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغسّاني ملك الشام فاخروّط (٢) بنا السّير في حمّارة القيظ حتى إذا عضّت (٣) الأفواه ، وذبلت الشفاه ، وشالت المياه ، وأذكت الجوزاء المعزاء (٤) ، وذاب الصيهد (٥) ، وصرّ الجندب ، وضاف العصفور الضّبّ في جحره أو قال في وجاره ، وقال قائلنا : أيّها الركب غوروا بنا في ضوج (٦) هذا الوادي ، وإذا واد قد بدا (٧) يمينا كثير الدغل ، دائم الغلل (٨) ، شجراؤه مغنّة ، وأطياره مرنّة فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات (٩). فأصبنا من فضالات المزاود ، وأتبعناها الماء البارد فإنا لنصف حرّ يومنا ذلك ، ومما طلته إذ صرّ أقصى الخيل أذنيه ، وفحص الأرض بيديه ، فو الله ما لبث أن جال ثم حمحم (١٠) فبال ، ثم فعل فعله الذي يليه واحد فواحد (١١) ، فتضعضعت الخيل ، وتكعكعت (١٢) الإبل ، وتقهقرت البغال فبين نافر بشكاله (١٣) ، ناهض بعقاله ، فعلمت أن قد أتينا ، وأنه السبع ففزع كل امرئ منا إلى سيفه فاستلّه من جربانه ، ثم وقفنا زردقا (١٤) ، فأقبل يتطالع من بغيه (١٥) كأنه مجنوب أو في هجار (١٦) مسحوب ، لصدره نحيط (١٧) ، ولبلاعيمه غطيط ، ولطرفه وميض ، ولأرساغه نقيض. كأنما يخبط هشيما أو
__________________
(١) في طبقات ابن سلام : بأنسائها.
(٢) رسمها غير واضح بالأصل ، والمثبت عن طبقات ابن سلام ، واخروط بنا السير : طال وامتد.
(٣) في المصادر : عصبت.
(٤) المعزاء : الأرض الصلبة كثيرة الحصى.
(٥) الصيهد : السراب الجاري وشدة الحر.
(٦) الضوج : منعطف الوادي.
(٧) عن طبقات ابن سلام ، وفي الأغاني : «بدا لنا» وفي الأصل : بديمينا.
(٨) الغلل الماء الذي يجري بين الأشجار.
(٩) الكنهبلات جمع كنهبل ، شجر عظام.
(١٠) الحمحمة : صوت الفرس دون الصهيل.
(١١) طبقات ابن سلام والأغاني : واحدا فواحدا.
(١٢) أي تأخرت إلى وراء.
(١٣) الشكال : الحبل تشد به قوائم الدابة.
(١٤) أي صفا.
(١٥) طبقات ابن سلام : «بعيد» وفي الأغاني : من نعته.
(١٦) الهجار : الحبل يشد في رسغ رجل البعير ، أو يعقد في يده ورجله ثم يشد إلى حقوه أو رأسه.
(١٧) نحيط : زفير ثقيل من الغيظ.