فجعل يدعو عليهم ، فلا يدعو بشيء من سوء إلّا صرف الله لسانه إلى قومه ، ولا يدعو لقومه بخير إلّا صرف الله عزوجل لسانه إلى بني إسرائيل ، وجعل يترحم على بني إسرائيل ويصلّي على موسى. فقال له قومه : يا بلعم أتدري ما تصنع إنما تدعو لهم ، فقال : هذا ما لا أملك ، وهذا شيء قد غلب الله عزوجل عليه ، وأدلع لسانه. فقال بعض هؤلاء المسلمين جاءته لمعة فذهبت ببصره فعمي ، فقال لهم : قد ذهبت الدنيا والآخرة مني ، ولم يبق إلّا المكر والحيلة ، وليس إليهم سبيل وسأمكر لكم واحتال لهم. اعلموا أنهم قوم إذا أذنب مذنبهم ولم تغيّر عامّتهم عمّهم البلاء فقالوا له : كيف لنا بشيء يدخل عليهم منه ذنب يعمهم من أجله العذاب؟ قال : تدسّون في عسكركم النساء ، فإني لا أعلم فتنة أوشك صرعة للرجل من المرأة ، فانظروا نساء لهن جمال ، فأعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر تبيعها فيه ، ومروهنّ فلا تمنع امرأة نفسها من رجل إذا أرادها ، فإنهم إن زنى رجل منهم كفيتموهم ، ففعلوا ذلك ، فلما دخل النساء العسكر مرّت امرأة من الكنعانيين بنت صوريا برأس سبط بن شمعون بن يعقوب ـ وهو زمري شلوم (١) ـ فقام إليها فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها ، ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى فقال : إني لأظنك يا موسى ستقول هذه حرام عليك! فقال موسى : أجل إنها حرام فلا تقربها ، فقال : والله لا أطيعك في هذا ، ثم دخل بها قبّته فوقع عليها ، فأرسل الله عزوجل الطاعون في بني إسرائيل ، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون ، وهو صاحب أمر موسى ، وكان رجلا قد أتي بسطة في الخلق ، وقوة في البطش ، وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع ، فجاء والطاعون قد وقع في بني إسرائيل ، فأخبر الخبر فأخذ حربته ـ وكانت حربته من حديد كلّها ـ فدخل عليهما القبة وهما مضطجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما وقد رفعهما إلى السماء بحربته قد أخذها بذراعيه واعتمد بمرفقيه على خاصرته وأسند الحربة إلى لحيته فجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن عصاك فرفع الله عزوجل الطاعون عنهم. فحسب من هلك منهم في الطاعون سبعون ألفا من بني إسرائيل. فمن هنالك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة يذبحونها القبّة والذّراع واللّحي لاعتماده بالحربة على خاصرته وأخذه إياها إلى لحيته ، والبكر من أموالهم وأنفسهم لأنه كان البكر من ولد هارون.
فقال بعض هؤلاء المسمين عن وهب بن منبه : أن بلعم أخذ أسيرا فأتي به موسى
__________________
(١) في المطبوعة هنا : شولوا» وقد تقدم الاسم بالأصل وفي المطبوعة في رواية سابقة «شلوم».