تنقّي (١) أنفسنا من درن الذنوب ، وتميط وضر هذه القلوب. وحينئذ لا يمنع دخول العاصي بعفوه المطهّر للذنوب المكفّر للمعاصي.
(وَقالُوا) إذا دخلوها اعترافا بنعم الله تعالى عليهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) على ألسنة الرسل بالبعث والثواب (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) يريدون المكان الّذي استقرّوا فيه على الاستعارة ، فإنّ إيراثها هاهنا بمعنى تمليكها. يعني : يمكّننا من التصرّف فيها تمكين الوارث فيما يرثه. وقيل : ذكر الإيراث لأنّهم ورثوها عن أهل النار. (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) أي : يتبوّأ كلّ منّا في أيّ مقام أراده من جنّته الواسعة. وفي الحديث : أقلّ منازل المؤمن فيها على سعة الدنيا سبع مرّات. (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) الجنّة.
(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ) أي : ومن عجائب أمور الآخرة أنّك ترى الملائكة (حَافِّينَ) محدقين (مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) «من» لابتداء الحفوف. وقيل : مزيدة ، أي : حوله. (يُسَبِّحُونَ) ينزّهون الله عمّا لا يليق به (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ملتبسين بحمده. والجملة حال ثانية ، أو مقيّدة للأولى.
والمعنى : ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه ، متلذّذين به لا متعبّدين. وفيه إشعار بأنّ منتهى درجات العلّيين ، وأعلى لذائذهم ، هو الاستغراق في صفات الحقّ. وقد عظّم الله سبحانه أمر القضاء في الآخرة بنصب العرش ، وقيام الملائكة حوله معظّمين له سبحانه ومسبّحين ، كما أنّ السلطان إذا أراد الجلوس للمظالم يفعل كذلك تعظيما لأمره ، وإن استحال كونه عزّ وعلا على العرش ، والجلوس على العرش من صفات الأجسام ، تعالى الله عن ذلك.
(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) فصل بين الخلق بإدخال بعضهم النار وبعضهم الجنّة. أو بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم في أعمالهم ، فإنّ الملائكة
__________________
(١) أي : تنظّف. والدرن : الوسخ. وتميط أي : تذهب. والوضر : الوسخ.