(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) تبذرون حبّه ، وتعملون في أرضه (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) تنبتونه ، بأن تردّوه نباتا ينمى إلى أن يبلغ الغاية (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) المنبتون ، وقد اعترفتم بأنّا نحن الزارعون. فمن قدر على إنبات الزرع من الحبّة الصغيرة ويجعلها حبوبا كثيرة ، قدر على إعادة الخلق إلى ما كانوا عليه. وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يقولنّ أحدكم : زرعت ، وليقل : حرثت».
(لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ) جعلنا ذلك الزرع (حُطاماً) هشيما لا ينتفع به. من : حطم إذا تفتّت ، كالفتات والجذاذ من : فتّ وجذّ. (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) تعجبون. وعن الحسن : تندمون على تعبكم واجتهادكم فيه ، وإنفاقكم عليه. أو على ما اقترفتم من المعاصي الّتي أصبتم بذلك من أجلها ، فتتحدّثون فيه. والتفكّه : التنقّل بصنوف الفاكهة. وقد استعير للتنقّل بالحديث.
(إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) أي : يقولون : إنّا لملزمون غرامة ما أنفقنا. أو مهلكون ، لهلاك رزقنا. من الغرام ، وهو الهلاك. وقرأ أبو بكر : أَإنّا على الاستفهام. ثمّ يستدركون فيقولون : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) حرمنا رزقنا. أو محدودون لا حظّ لنا ولا بخت ، لا مجدودون ، ولو كنّا مجدودين لما جرى علينا هذا.
(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠))
ثمّ نبّه سبحانه على دلالة اخرى على إمكان البعث ووقوعه ، فقال : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) أي : العذب الصالح للشرب.
(أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) من السحاب. واحده مزنة. وقيل : المزن السحاب الأبيض خاصّة ، وهو أعذب ماء. (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) بقدرتنا ، نعمة منّا عليكم. والرؤية إن كانت بمعنى العلم فمتعلّقة بالاستفهام.