والرضوان ، كما يفعل بمن يشرّف ويكرّم من الوافدين على بعض الملوك ، فشتّان بين سوقهم وسوق أهل النار. وقيل : سيق مراكبهم ، إذ لا يذهب بهم إلّا راكبين.
ويجوز أن يكون ذكر السوق هاهنا على وجه الزواج والمقابلة لسوق الكافرين إلى النار. (زُمَراً) على تفاوت مراتبهم في الشرف وعلوّ الطبقة.
(حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) وهي ثمانية ، كما نقل عن سهل بن سعد الساعدي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ في الجنّة ثمانية أبواب ، منها باب يسمّى باب الريّان ، لا يدخله إلّا الصائمون». رواه البخاري ومسلم في الصحيحين (١).
وحذف جواب «إذا» للدلالة على أنّ لهم حينئذ من الكرامة والتعظيم ما لا يحيط به الوصف. ولم يحذف الواو لتكون «فتحت» جزاء الشرط ، للدلالة على أنّ أبواب الجنّة تفتح لهم قبل مجيئهم غير منتظرين. وقرأ الكوفيّون : فتحت بالتخفيف.
(وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) عند استقبالهم (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) سلمتم من الآفات ، إذ لا يعتريكم بعد مكروه (طِبْتُمْ) طابت أنفسكم بدخول الجنّة. أو طبتم بالعمل الصالح في الدنيا ، وطابت أعمالكم الصالحة وزكت. أو طهرتم من دنس المعاصي.
وروي : أنّهم إذا قربوا من الجنّة يردون على عين من الماء فيغتسلون بها ، ويشربون منها ، فيطهّر الله أجوافهم ، فلا يكون بعد ذلك منهم حدث وأذى ، ولا تتغيّر ألوانهم ، فيقول الملائكة لهم : طبتم.
(فَادْخُلُوها خالِدِينَ) مقدّرين الخلود فيها. والفاء للدلالة على أنّ الطهارة عن المعصية سبب لدخولهم وخلودهم. فما هي إلّا دار الطيّبين ومثوى الطاهرين ، لأنّها دار طهّرها الله من كلّ دنس ، وطيّبها من كلّ قذر ، فلا يدخلها إلّا مناسب لها ، موصوف بصفتها. فما أبعد أحوالنا من تلك المناسبة ، وما أضعف سعينا في اكتساب تلك الصفة ، إلّا أن يهب لنا الوهّاب الكريم ، ويوفّقنا الغفّار الرحيم ، توبة نصوحا
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ١٤٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٠٨ ح ١٦٦.