وعلم أهل الجنة أنهم لا يموتون ، جاء من إخبار الأنبياء لهم في الدنيا بذلك ؛ وفي نفى العذاب عنهم إيماء إلى استمرار النعيم ، وعدم خوف زواله ، فإن خوف الزوال نوع من العذاب كما قال :
إذا شئت أن تحيا حياة هنية |
|
فلا تتخذ شيئا تخاف له فقدا |
وإلى نفى الهرم واختلال القوى ، لأنه ضرب من العذاب أيضا.
ثم زاد في تأنيب قرينه وزيادة حسرته فقال :
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي إن ما نحن فيه من نعيم مقيم ، مع تمتع بسائر اللذات ، من مآكل ومشارب فوز أيّما فوز ، ولا سيما الفوز بذلك النعيم الروحي وهو رضا الله عنه كما قال : «وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ».
ثم أومأ إلى اغتباطه بما هو فيه ، وبين أن ذلك كان عاقبة كسبه وعمله فقال :
(لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) أي لمثل هذا النعيم والفوز فليعمل العاملون في الدنيا ليصيروا إليه في الآخرة ، ولا يعملوا للحظوظ الدنيوية السريعة الانصرام ، المشوبة بصنوف الآلام.
(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠))