لأنه قد ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، فماذا تفيد العبر أو تجدى الذكرى مع قوم هذه حالهم؟.
ثم بالغ في ذمهم وشديد غفلتهم عن النظر في دلائل الحق فقال :
(وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) أي وإذا أقيمت لهم الأدلة والمعجزات التي ترشد إلى صدق من يعظهم ويذكّرهم بأيام الله ، نادى بعضهم بعضا متضاحكين مستهزئين : هلمّوا وانظروا إلى ما يفعله ذلك الساحر الذي يخلب ألبابنا ، ويسلب عقولنا ، ويريد أن يصدنا عما كان يعبد آباؤنا ، وهذا ما أشار إليه حاكيا قولهم :
(وَقالُوا : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي وقالوا ما هذا الذي يأتينا به الفينة بعد الفينة مما يدّعى أنه أدلة ظاهرة على صدق ما يدعيه ـ إلا ألاعيب ساحر ، وخدعة أريب ماهر ، يريد أن يلفتنا عما كان يعبد آباؤنا ، وما هى من دلائل الحق في شىء ، فإياكم أن تخدعوا بها ، وترجعوا عن الدين الحق الذي عليه آباؤكم ، وقد مرت عليه القرون ، ونحن له متبعون.
ثم خصصوا بعض ما ينكرون مما يدعيه من الحشر والبعث فقالوا :
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ؟) أي إنا لو تقبلنا منه بعض ما يقول وإن كان فيه ما يدهش العقول ـ لا نتقبل منه تلك المقالة ، وهى إحياء العظام النخرة ، والأجسام التي صارت ترابا ، إن هذه إلا إحدى الكبر ، فلا ينبغى أن نوجه النظر إلى مثل هذه الآراء التي لا يقبلها العقل ، ولا يصل إلى مثلها الفكر.
ثم زادوا في استبعادهم وعظيم تعجبهم قالوا :
(أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ؟) أي أيبعث آباؤنا الأولون أيضا ، وهذا أغرب لأن آباءهم أقدم منهم ، فبعثهم أشد غرابة وأكثر استبعادا.
وبعد أن حكى عنهم هذه الشبهة أجاب عنها بقوله :
(قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) أي قل لهم أيها الرسول : نعم تبعثون يوم القيامة بعد ما تصيرون ترابا وعظاما ، وأنتم صاغرون أذلاء أمام القدرة البالغة.