المعنى الجملي
بعد أن وصف جلّت قدرته الآخرة بصفات توجب الرغبة فيها ومزيد الشوق إليها ـ أعقب ذلك بذكر صفات للدنيا توجب النفرة منها كسرعة زوالها وتقضّيها وشيكا ، تحذيرا من الاغترار بزهرتها ، والركون إلى لذتها ، فمثّل حالها بحال نبات يسقى بماء المطر فيخرج به زرع مختلف الأصناف والأنواع ، وبعد قليل تراه يجف ويصير فتاتا متكسرا ، فما أسرع زواله ، وأيسر تقضيه!.
الإيضاح
إنك أيها الرسول لتشاهد الماء وقد نزل من السماء فجرى عيونا في الأرض ، فسقيت به أنواع مختلفة من النبات من برّ إلى شعير إلى أرز إلى نحو ذلك ، ثم نضجت وجفّت وصارت مصفرة بعد خضرة ونضرة ، ثم صارت فتاتا متكسرة ، فما أشبه حال الدنيا بحالها فهى سريعة التقضّى وشيكة الزوال ، فليعنبر بذلك أولو الحجا ، وليعلموا أن الدنيا كسوق قام ثم انفض ، ولا يغتروا ببهجتها ولا يفتنوا بزخرفها.
ونحو الآية قوله : «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً».
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ