هو الميزان لمعاني بعض الأمور ، الّتي منها الأوّليّة والآخريّة المصطلحتين ، وأثبت سابقيّته وعلّيّته على كلّ شيء ، ولكلّ شيء ، بألطف إشارة لا يدركها إلّا الصافّون ، حيث ابتدأ بالاستفهام على وجه الاستعظام ، ونوع من الإنكار يشتمل على التلطّف والإنعام.
فظاهر الكلام على صورة الاستفهام ، والمراد النفي تجوّزا في ذلك المقام ، وذلك مطّرد في فصيح الكلام ؛ كما في قوله : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) (١).
وتلك الكلمة بإجمالها وافية لما أردنا استنباطه من الآية الشريفة ، ولكن فلا بأس بتفصيل ما أجملناه فيما سطرناه ، ليفوز الكلّ بما بذلناه.
فنقول : اعرف أيّها الطالب لفهم الأسرار من أولي الأبصار أنّ الله عزّت هويّته لمّا كان في الأزل موصوفا بمراتب الكمال بنوع من الموصوفيّة لا يلزم معه شيء من النقص كالتعدّد والحاجة ، فإنّ عينيّة الصفات للذات ترفع الاستبعاد عن جميع الجهات ، إلّا أنّنا ـ نحن أهل الحقيقة ـ مع تلك الغاية لا ندرك لتلك العينيّة كيفيّة ، ولا لحقيقتها حيثيّة ؛ فضلا عن الّذين لم يشمّوا روائح فيض الله أصلا ، بل درك ذلك المقام خاصّ بذاته تعالى ، فلا يعرفه أحد سواه ، وكان محتجبا في سرادقات سواذج العزّ ، ومتقنّعا بسرابيل العظمة الأزليّة ، ومتجلّلا بالوحدة الحقيقيّة الذاتيّة ؛ بحيث كان بكون مغاير لكون كلّ كائن كوّن في عالم الظهور ، وإلّا لزم الاشتراك.
وبرهان بطلانه واضح عند أهل التوحيد ، ولم يكن معه شيء ، ولم
__________________
(١) آل عمران : ١٣٥.