صلّى الله عليه وآله لقد أوردها في ذلك المقام أيضا ؛ حيث سأله أبو أيّوب الأنصاريّ فقال : الله هل يقضي بالشرّ؟ قال : نعم ، فقال : يقضي بالشرّ ، ثمّ يعذّبهم؟ فقرأ رسول الله : هذه الآية (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١) فتأمّل.
القول الثالث : أنّ القدرة المستقلّة لله تعالى في الأعمال والعبد مكتسب.
وفي معنى المكتسب أقوال :
أشهرها أنّ فعل العبد صفة قائمة به كالسواد للأسود ، والبياض للأبيض.
ومعنى أنّ العبد كاسب للفعل أنّه محلّ له. وهذا مذهب جماعة من الأشعريّين.
وزعموا أنّه لا يلزم على ذلك ظلم بالنسبة إلى الله ، ومثّلوا بالإحراق المرتّب على الحطب ليبوسته ، مع أنّه لم يحصل لنفسه تلك اليبوسة.
ولا يقال : أيّ ذنب له حتّى يستحقّ الإحراق ، فإذا جعل الله الكافر محلّا للكفر ، فلو عذّبه به ليس لأحد أن يقول إنّه ظالم.
أقول : لا ريب في أنّ هذا لا يدفع الشبهة ، بل يقوّيها ، فإنّ جعله الكافر محلّا للكفر ظلم قطعا ببديهة العقل ، إلّا أن يكون المراد الإشارة إلى مقام الاستعداد ، بمعنى أنّ الكافر لمّا كان مستعدّا للكفر أزلا جعله الله أي خلقه كافرا إعطاء لحقّه ، فلا غبار كما ستعرفه. فتأمّل.
وقد أجاب عن ذلك القول الباطل بعض الأفاضل بأنّ قياس العبد بالحطب باطل ، لعدم الجامع ، ووجود الفارق ، لأنّ الكلام فيما له قدرة
__________________
(١) الأنبياء : ٢٣.