وفي حياة النفس لبعض المتأخّرين : فمن قال بأنّ الفاعل للفعل الصادر من العبد هو الله من خير وشرّ وليس للعبد في شيء من أفعاله مدخل ولا سبب ، بل هو فاعل لفعل العبد ، فكما هو خالقه كذلك هو خالق فعله ، فقد نسب إليه الظلم ؛ حيث يلزمه أنّه تعالى أجبرهم على المعاصي ، ومع ذلك يعاقبهم عليها ، ويعذّبهم بها.
ومن قال بأنّ العبد هو فاعل فعله من غير مدخل لغيره في شيء ، بل هو مستقلّ في فعله لا مانع له منه ، وإلّا لما استحقّ الثواب والعقاب ، فقد عزل الله عن ملكه ، وأخرجه عن سلطانه.
والفريقان خارجان عن طريق الحقّ والصراط المستقيم ، والحقّ الحكم بالأوسط ؛ كما قال جعفر بن محمّد عليه السلام : لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين أمرين. يعني : لا جبر بأن يقال إنّ الله قد أجبرهم على المعاصي ، ولا تفويض بأن يقال فوّض الأمر إلى العباد ، بل أمر بين أمرين ، أي : العبد فاعل لفعله على جهة الاختيار من غير إكراه ولا إجبار ، ولكن بتقدير الله الساري في فعل العبد. انتهى.
أقول : ما ذكره من أنّ كلّ ذلك بتقدير الله الساري قريب ممّا نختاره عند التحقيق ، فليتأمّل.
الثاني : وهو مذهب أبي الحسن الأشعريّ وجهم بن صفوان أنّ الأفعال كلّها مستندة إلى الله ، واقعة بقدرته وحدها.
يعني أنّه ليس للعبد قدرة أصلا ، فهو مجبور في فعله ، مقسور في عمله ، واستدلّوا بوجوه :