لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).
وفي توحيد المفضّل رحمه الله : يا مفضّل ، إنّ الشكّاك جهلوا الأسباب والمعاني في الخلقة ، وقصرت أفهامهم عن تأمّل الصواب والحكمة فيما ذرأه الباري ، وبرأ عن صنوف خلقه في البرّ والبحر ، والسهل والوعر ، فخرجوا بقصر علومهم إلى الجحود ، وبضعف بصائرهم إلى التكذيب والعنود ، حتّى أنكروا خلق الأشياء ، وادّعوا أنّ كونها بالإهمال ؛ لا صنعة فيها ، ولا تقدير ، ولا حكمة من مدبّر ، ولا صانع! تعالى عمّا يصفون ، وقاتلهم الله أنّى يؤفكون.
فهم في ضلالهم وعميهم وتحيّرهم بمنزلة عميان دخلوا دارا قد بنيت أتقن بناء وأحسنه ، وفرشت بأحسن الفرش وأفخره ، واعدّ فيها ضروب الأطعمة والأشربة ، والملابس والمآرب الّتي نحتاج إليها ، ولا يستغنى عنها ، ووضع كلّ شيء من ذلك موضعه ، على صواب من التقدير ، وحكمة من التدبير ، فجعلوا يتردّدون فيها يمينا وشمالا ، ويطوفون بيوتها إدبارا وإقبالا ، محجوبة أبصارهم عنها ، لا يبصرون هيئة الدار وما اعدّ فيها ، وربّما عثر بعضهم بالشيء الّذي قد وضع موضعه ، واعدّ للحاجة إليه ، وجاهل بالمعنى فيه ، ولما اعدّ ، ولما ذا جعل كذلك ، فيذمّ الدار وبانيها.
وهذه حال هذا الصنف في إنكارهم ما أنكروا من أمر الخلقة ، وثبات الصنعة ، فإنّهم لمّا عزبت أذهانهم عن معرفة الأسباب والعلل في الأشياء صاروا يجولون في هذا العالم حيارى ، ولا يفهمون ما هو عليه من إتقان
__________________
(١) الروم : ٥٠.