وفي قوله : (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً) إشارة إلى استحقاقهم لذلك المقام بحسب ما قدّمت أيديهم من كسب الأخلاق الجميلة ، وتحصيل المعارف الجليلة ، واستعدادهم للفوز بتلك اللذّات الملكوتيّة ، والدخول في لجج الأحديّة.
كيف وتلك الملكات الراسخة تظهر حقائقها متمثّلة في ذلك العالم الروحانيّ ، فيلتذّ بها أربابها في جنّة القرب ؛ على التفصيل الّذي عرفته غير مرّة.
وفي الالتفات عن الغيبة إلى الخطاب التفات لطفانيّ من الحقّ إلى هؤلاء الأبرار في مقام المحاضرة ، حيث توجّه إليهم مخاطبا لهم توجّه المعشوق إلى العاشق الشائق ، ففيه كمال العناية الأزليّة من حضرة الحقّ إلى العاشقين الشائقين من عباده ، فإنّ للعاشق لذّة عظيمة في محاضرة معشوقة ، والمكالمة معه بحيث لا شيء ألذّ منها عنده. ولذلك المقام تفاصيل يمنعني عن ذكرها ضيق الوقت ، وهجوم الملال وكثرة الكلال.
وفي قوله : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) إشارة إلى صحّة طرق سلوكهم ، بمعنى أنّهم لقد راضوا نفوسهم بالرياضات الشرعيّة والطاعات المأمورة بها من عند الحقّ تعالى ، فإنّ تلك الرياضات والطاعات مقبولة مرضيّة بقبول الحقّ ورضائه ، لأنّها ممّا أراده الله وأحبّه بخلاف الرياضات الشاقّة الّتي لم يؤمر بها ، أو نهي عنها في الشريعة المحمّديّة صلّى الله عليه وآله كالّتي وضعها الصوفيّة والجوكيّة ممّا نهى الله ورسوله عنه نهيا مؤكّدا ؛ كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار ، وهي وإن كانت غير خالية عن بعض