درجاتهم متقاربة حتّى يشبّهوا باللؤلؤ المنظوم ، نظرا إلى أنّ النظم يستلزم القرب والتقارب ، وأمّا النثر فليس مستلزما لذلك ، بل مستلزم لخلافه.
وهنا إشكال أورده جماعة وهو الحسبان من باب الظنّ والمعارف يومئذ علميّة عارية عن شوب الظنون.
وأجيب بأنّ المراد : إنّك إذا تصوّرتهم في عالم الخيال وأنت في ذلك البدن لخلتهم وحسبتهم لؤلؤا منثورا.
وبوجوه اخرى لا مجال لنا في الإشارة إليها ، لضيق الوقت.
التاسع : قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ) ... إلى آخره بفتح الثاء : اسم إشارة إلى المكان البعيد ، أي : وإذا زال الحجاب الّذي بينك وبين عالم القدس ففزت بمشاهدة ذلك المقام الأرفع الّذي لا يصل إليه أيدي غير الصافين لترفّعه وتشرّفه وبعده رتبة رأيت ما أعدّ الله لهم من النعمة الخطيرة الّتي هي الاتّصال بالمبدأ الأعلى ، والانقطاع عن الدار السفلى ، والتشرّف بالإفاضات العليا.
والملك الكبير الّذي لا يزول ولا يفنى وهو حقيقة الولاية الصافية والمحبّة الخالصة ، فإنّها مورثة للبقاء السرمديّ الّذي لأجله خلقت النفوس الإنسانيّة ؛ كما قال : خلقتم للبقاء لا للفناء ... (١) إلى آخره. أي للبقاء ببقاء الحقّ بعد الفناء الكلّيّ عمّا في الإمكان.
ويرى العارف في ذلك البقاء والفناء نفسه عين الوجود الكلّيّ الموصوف بجميع الصفات الجماليّة والجلاليّة ، لا بمعنى أنّه شاعر في ذلك الحال بنفسه وذاته ، بل لا يرى لنفسه وجودا سوى وجود الحقّ ، لكمال
__________________
(١) غرر الحكم : ١٣٣.