إلى مقام آخر غير ما ذكر ، فإنّ الطائف فيما مرّ هو الحقّ تعالى بدلالة التعظيم المستفاد من البناء للمفعول ، وفي المقام غيره تعالى ممّا اصطفاه واجتباه ، والإعراض عن ذكر المطوف به في ذلك المقام لعلّ وجهه الذكر في المقام الأوّل ، فيستغني عن الذكر ثانيا ، وإن كان بين المطوف بهما فرقان بيّن ، لأنّ ما يطوف به الحقّ أعلى ممّا يطوف به غيره بمراتب شتّى كما لا يخفى.
أو الكشف عنه في سورة الواقعة ؛ كما قال : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ * وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ... (١) إلى آخره.
ثمّ المراد بالولدان قيل : الغلمان الباقون الّذين لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيّرون.
وقيل : مخلّدون أي مقرّطون ، يقول : خلّد جاريته ، إذا جعل في أذنيها قرطا.
واختلفوا فيهم فقيل : إنّهم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ، ولا سيّئات فيعاقبوا عليها ، فانزلوا هذه المنزلة.
وقيل : هم من خدم الجنّة على صورة الولدان خلقوا لخدمة أهل الجنّة. وذلك هو الأجود ، فإنّ أطفال أهل الدنيا الّذين يدخلون الجنّة يصيرون كبارا
__________________
(١) الواقعة : ١٠ ـ ٢٤.