هاهنا بصفة المزج بالزنجبيل ، وكذا المراد من العين في قوله : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) هي العين السابقة ، إلّا أنّه أورده هاهنا بصفة السلاسة ، وسرعة الفيض الإلهيّ في حقّهم ، وسهولة افتياض المعقولات عليهم ؛ إذ كانوا على غاية من الإمكان.
ثمّ لمّا وصف الكأس بطعم الزنجبيل وكانت الكأس من تلك العين نبّه في وصف العين بسلاسة الجريان في الخلق على أنّها مع استلزامها لطعم الزنجبيل ليس فيها قوّة اللذاعة الّتي فيه ، فسبحان الملهم لتلك الاستعارة ، والهادي إلى تلك العبارة. انتهى.
أقول : ما ذكره من أنّ المراد بالكأس هاهنا هي الكأس فيما قبل ، وكذا العين ، يتوجّه عليه أنّ ذلك مستلزم للتكرار والتأكيد ، وهو في المقام غير مفيد ، فالأ حقّ أن يقال : إنّ في ذلك إشارة إلى ما مرّ من أنّ لكلّ من الأبرار مقامات مختلفة بحسب الحقيقة عن اختلافات الإفاضات العالية ؛ إذ ليس للعارف مقام واحد واقف هو فيه في جميع الأوقات والحالات ، بل يفوز في كلّ وقت وحالة بمقام وإفاضة ليس له في الوقت السابق والحالة السابقة.
كيف ولا نهاية لترقّي الإنسان يقف فيها ، بل يترقّى آنا فآنا بحسب سعيه وجهده ؛ كما قال : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (١).
وهذا هو السرّ في كونه أفضل من الملك ، فإنّ له مقاما معلوما لا يجاوزه ولو أكثر في سعيه واجتهاده ؛ كما يدلّ عليه بعض الأخبار المرويّة.
ويؤيّده ما حكي عن أبي الحسين الخرقانيّ أنّه قال : صعدت ظهيرة
__________________
(١) النجم : ٣٩.