إلى الرضوان الأكبر ... (١) إلى آخره.
الخامسة : يحتمل أن يكون المراد بالجنّة هي جنّة وصال الحقّ ، فإنّ ذلك هو جزاء الأبرار.
كيف وهم أجلّ من أن يكون جزاؤهم الالتذاذ بما تشتهي أنفسهم.
كيف وهم لقد تياسروا عن ذلك الاشتهاء ، وتيامنوا عن ذلك المقام ، فإنّهم لقد عرفوا أنّ نفوسهم وما تقتضيه حاجبة عن الفوز بالحقّ ، فكيف يجزون بالاحتجابات المانعة! كلّا إنّ هؤلاء لغامضون عن جميع اللذّات في جميع الجهات ، وذاهلون عن كلّ ما في الإمكان في مقام ذكر الملك المنّان ، فجزاؤهم على حالاتهم وأخلاقهم وأطوارهم هو الالتذاذ بقرب الله ؛ إذ لا لذّة ألذّ من ذلك المقام وهو الجنّة العالية الّتي يفوز بها الواصلون ؛ كما قال : إنّ لله جنّة ليس فيها حور ولا قصور بل يتجلّى فيها ضاحكا مستبشرا.
وقال الله : وإذا عشقني عشقته ، وإذا عشقته قتلته ، وإذا قتلته فعليّ ديته ، فإذا كان عليّ ديته فأنا ديته.
وقال : الصوم لي وأنا أجزي به. أي أنا جزاء من حصر توجّهه إلى حضرتي ، وقطع عن سواي إلى خدمتي.
وقال : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) أي بمقام المحبّة الصافية (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) أي توجّهي إلى حضرته (راضِيَةً) من ربّك (مَرْضِيَّةً) بطاعاتك (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) الأبرار المنقطعين عن كلّ شيء الفائزين بحقيقة
__________________
(١) مصباح الشريعة : ١٦٩.