فصارت قوّتهم قوّة ملكوتيّة ، وهي الجهة العليا للإنسان الّتي بها يعرف الربّ ويقرب إلى ساحته ، ويلتذّ بمحاضرته في محلّ التجلّيات البرقانيّة ، ومورد البارقات الشرقانيّة ، فإنّ فوز العارف بذلك المقام إنّما هو بعد نجاته عن حضيض الطبيعة ، وجحيم الماهيّة الّتي هي الجهة السفلى ؛ إذ بها يحصل له البعد عن مراتب العرفان ، والحرمان عن لذّات الإيقان.
وبالجملة : هؤلاء معصومون عن التوجّه إلى تلك الجهة لكمال توجّههم إلى الجهة العليا ، أي إلى الحقّ تعالى ، فإنّ الفائز بلذّة القرب لا يختار البعد أصلا وأبدا ، فجهل من أجاز الذنوب والمعاصي مطلقا على الأنبياء والأئمّة الطاهرين مستدلّا بوجوه واهية غير وجيهة أشرنا إليها وإلى أجوبتها في بعض رسائلنا القديمة.
كيف وقد دلّت على مدّعانا أخبار كثيرة ، ووجوه وجيهة ، مضافا إلى قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).
أي لا يفوز بمقام المحبّة الصافية الّذين يظلمون أنفسهم بمتابعة الهوى والسلوك فيما يوجب الردى.
وقال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢).
أي لقد عصمكم عن عبادة الأوثان الّتي هي قضايا النفس وهواها ، فإنّ عبادة ما سوى الحقّ عبادة الوثن الّذي هو الرجس الحقيقيّ ؛ كما قال :
__________________
(١) البقرة : ١٢٤.
(٢) الأحزاب : ٣٣.