ويقطع حينئذ بأنّ العبادة لا تصلح إلّا لمن هو في مرتبته غير مفتقر إلى شيء من دونه في شيء.
كيف والعبادة نوع من الشكر ، بل هي كلّ الشكر وكماله ، والشكر لا يستحقّه إلّا المنعم الحقيقيّ ، وأيّ منعم أحقّ بالشكر من المنعم الّذي أنعم على الخلق بالوجود الّذي لا يتصوّر فوقه نعمة؟
فالناظر كذلك بحقيقة النظر يستدلّ بوجوده على كمال مقام الحقّ ، فيشهد بما يترتّب على وجوده من الآثار والأطوار على غناء الحقّ وكماله وتقدّسه عن وصف الواصفين ، ومعرفة العارفين ، ويتشعشع على قلبه نور اليقين ، بأنّه لا يقدر على شكر واحدة من نعماء الحقّ ، فضلا عن استقصاء جميع نعمائه وآلائه الّتي أنعم عليه في حدّ رتبته ومقام كينونته!
كما قال الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفة : وأنا أشهدك يا إلهي بحقيقة إيماني ، وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري ، وعلائق مجاري نور بصري ، وأسارير صفحة جبيني ، وخرق مسارب نفسي ، وحذاريف مارن عرنيني ، ومسارب صماخ سمعي ، وما ضمّت وأطبقت عليه شفتاي ، وحركات لفظ لساني ومغرز حنك فمي وفكّي ، ومنابت أضراسي ـ إلى قوله ـ أن لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار والأحقاب لو عمّرتها أن أؤدّي شكر واحدة من أنعمك ما استطعت ذلك إلّا بمنّك الموجب عليّ به شكرا آنفا جديدا ، وثناء طارفا عتيدا.
أجل ولو حرصت أنا والعادّون من أنامك أن نحصي مدى إنعامك سالفة وآنفة ما حصرناه عددا ، ولا أحصيناه أمدا ، هيهات أنّى ذلك! وأنت المخبر