من تكون ؟! فقال : أنا ربّ هذا البيت ، فمن أنتما ؟ وماذا تفعلان هنا ؟ فقالا : أيّها الشيخ ، إن أخبرناك فنحن في أمان ؟! فقال : نعم ، قالا : في أمان الله ورسوله ؟ قال : نعم أنتما في أمان الله ورسوله ، فقالا : إنّ الله ورسوله شاهدان على ما نقول ؟ فقال : نعم ، فقالا : نحن عترة رسول الله صلىاللهعليهوآله وطفلان لمسلم بن عقيل ، فررنا من سجن عبيدالله وهذه الليلة نحن ضيفاك. فقال اللعين بقلب أقسى من الحجر الصلد : لقد فررتما من الموت ووقعتما عليه ، الحمد لله الذي أظفرني بكما ، لقد فليت نواحي البلد والصحراء فلياً ونفقت فرسي وأنتما تقيمان في بيتي وتنامان بأمن ودعة فيه ، ثمّ ضربهما على رأسيهما وأوثقهما كتافاً وألقاهما في مكان مظلم من البيت وأحكم إغلاق الباب.
فأسرعت المرأة إليه وشفعت فيهما وقبّلت يده ورأسه وخوّفته من الله ورسوله ، وأطمعته بالأجر والثواب ولكنّه لم يصغ لقولها فكأنّه الماء في الغربال ، ولمّا أصبح الصباح أفرغ عليه لامة حربة وأخذ طفلي مسلم معه وذهب باتجاه النهر ليضرب عنقيهما ، وكانت المرأة تعدو خلفه وهي صارخة ، فإذا دنت منه حمل عليها بالسيف فتراجعت عنه ، وهكذا حتّى بلغ النهر فترجّل واستدعى غلامه.
أقول : اختلفوا في هذا الموضع فقال قوم : إنّ غلامه وولده ما أطاعا أمره ولكن ألقيا بنفسيهما في الفرات خوفاً منه ، وخرجا إلى الضفة الأُخرى. وقال بعضهم : بل قتلهما الحارث كليهما ، وأنا (١) أنقل عبارة الناسخ بنصّها وأكتفي بها :
فقال الحارث لغلامه : خذ السيف واضرب عنق الغلامين ، فقال العبد : أنا أستحي من المصطفى أن أقتل طفلين من عترته لا ذنب لهما ولن أفعل ذلك أبداً. فقال الحارث : إنّي أقتلك ، وصاح به فعلم المولى أنّ الله لم يدع في قلبه شيئاً من
__________________
(١) أي المؤلّف.