٦ ـ وأمّا جريان السيرة على المنع ، فإنّه لا يخفى أنّ هذا المنع ليس بآكد من منع تكشّفهن لمن يريد تزويجهن ، بل هذا آكد بمراتب شتّى ، ومع ذلك فالثابت أنّه فعل جائز ، وما الإنكار في المقامين إلاّ لأجل الغيرة والاستحياء ، إذا كانت المرأة من أولي الأخطار وذوات الأستار.
٧ ـ وأمّا فيما ذكره من أنّ النظر مظنّة الشهوة ووقوع الفتنة ، ففيه أنّ المعهود من الشارع حسم الباب في أمثال هذه المظان بالحكم بالكراهة دون التحريم ، كما يعلم بالتتبع في الأحكام الشرعيّة ، مع أنّ هذا استحسان لا نقول به.
٨ ـ وأمّا خبر الخثعمية ، فهو على جواز النظر أدلّ كما لا يخفى ، الخبر إنّما يصلح أن يكون دليلاً لحرمة النظر مع الريبة مطلقاً ، لأنّها بأيّ معنى كانت من الشيطان.
فالحصيلة من كلّ هذا : إنّ كلّ الأدلّة التي قيلت في عدم جواز النظر إلى الوجه ، وما يستتبعه من ستر الوجه على المرأة لا تنهض في قبال أدلّة القائلين بالجواز ، فلذلك إنّ من قال بعدم جواز النظر جعل ذلك على سبيل الاحتياط.
أمّا الأخبار الواردة عن الزهراء عليهاالسلام ، والتي تدلّل على مدى محافظتها عليهاالسلام على الحجاب ، مثل قولها عليهاالسلام : ( ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها ) (١) ، وإجابتها على سؤال النبيّ صلىاللهعليهوآله عن المرأة : ( متى تكون أدنى من ربّها )؟ فأجابت : ( أدنى ما تكون من ربّها أن تلزم قعر بيتها ) (٢).
والأخبار التي تنقل عنها أنّها عندما تكلّمت مع أبي بكر ، وحشر من المسلمين ، نيطت دونها ملاءة ، وإنّها عليهاالسلام كانت مرتدية لرداء على وجهها حال زفافها لعلي عليهالسلام ، فإنّ هذه الأخبار لا تدلّ على وجوب ستر المرأة لوجهها.
وما قالته أو عملته الزهراء عليهاالسلام ما هو إلاّ الحالة المثالية للمرأة ، وإذا كانت عليهاالسلام بهذا المستوى من الحجاب ، فلأنّها عليهاالسلام القمّة للمرأة المثالية ، التي تعمل
____________
١ ـ دعائم الإسلام ٢ / ٢١٥.
٢ ـ بحار الأنوار ٤٣ / ٩٢.