وثانياً : أنّ سياق كلامه عليهالسلام المشتمل على تظلّماته من أُولئك الولاة الطغاة الطغام أنّ إلزامه عليهالسلام بالجهر لا للوجوب ، بل للردّ على مَنْ سبقه من أعداء علّام الغيوب ، حيث أظهروا أنّه غير جائز ولا مشروع ، ولتنبيه مَنْ رسا (١) في قلبه ذلك الأمر المبدوع ، فأراد عليهالسلام إظهار هذه السنّة الحميدة ، وأنّها من آكد السنن الأكيدة. ولا يلزم من الإلزام بها الوجوب ؛ لوقوع الإلزام بالمندوب ، فإنّ والي المسلمين إذا رآهم مكبّين على هجر السنن المحمّديّة ، ومعرضين عن الإتيان بها بالكلّيّة ، ولا سيّما السنن التي هي من شعار الإيمان ، جبرهم على الإتيان بها ، كما ورد مثل ذلك في زيارة النبيّ صلىاللهعليهوآله والأذان ، فإنّ المشهور بين الأصحاب إيجاب جبر الوالي على الزيارة مع قولهم بالاستحباب ، وعن علّامة ( المنتهي ) : ( إنّ الإجماع واقع على مقاتلة أهل المصر المجمعين على ترك الأذان ). ونَقلَ الإجماع عليه أيضاً بعض الأصحاب ، مع قوله وقول جلّ الفرقة بعدم الإيجاب.
وثالثاً : بحمل إلزامه عليهالسلام على الإلزام بمطلق الجهر بها ، فيجهرون بها على وجه الوجوب في القراءة الجهريّة ، وعلى وجه الاستحباب في القراءة السريّة.
ورابعاً : بحمل الإلزام بالجهر بها على كونه كناية عن مطلق الإتيان بالبسملة ، في مقابلة مَنْ يحذفها من المخالفين للفرقة المفضّلة ، لكون الجهر أفضل الفردين الدالّين على التلفّظ بها ، فيلزم من الإتيان بها في الجهريّة الجهر بها من حيث التبعيّة ، ويستفاد الجهر بها في الإخفاتيّة من الأدلّة الخارجيّة.
وأمّا على نسخ : « ولأمرت » ، كما هو الأكثر ؛ فلأنّ الأمر وإنْ كان الأشهر فيه اختصاصه بالطلب الحتمي ، وفرّعوا عليه خروج المندوب عن الأمر ، إلّا إنّ الحقّ فيه كونه حقيقةً في مطلق الطلب ، الشامل للدعاء والالتماس ، الذي هو طلب المساوي.
ودعوى تبادر الطلب الحتمي منه ممنوعة ، وبعد تسليمها فهي بحمل التبادر على الإطلاقي دون الوضعي مدفوعةً.
__________________
(١) رَسَا : ثَبَتَ. لسان العرب ٥ : ٢١٦ رسا.