شرح خطبة الكتاب
وحيث قد تمّ ما أردناه وحصل ما قصدناه ، فلنشرع في المقصود متوكّلين على الملك المعبود ، فنقول : لمّا جرت عادة السلف الصالح بابتداء مصنّفاتهم بالبسملة والحمدلة والثناء على الله تعالى بأنواع المحامد والممادح صدَّر كتابه قدّس الله روحه ، ونوّر ضريحه ، وطّيب ريحه ب ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) جرياً على منوالهم الراجح. وإنَّما ابتدءوا بالبسملة لوجوه :
منها : الاقتداء بالكتاب المجيد الذي ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) ، فإنَّها أوَّله ، وأوَّل كلّ سورة منه ، ما عدا براءة ؛ لنزولها بالتهديد والزجر والوعيد ، بل قيل : قد عُوّض عنها في سورة النمل في قوله تعالى ( إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (٢) ، بل روى العيّاشي عن الصادق عليهالسلام أنَّه : « ما أنزل الله تعالى كتاباً من السماء إلّا وهي فاتحته » (٣).
وفي ( الكافي ) عن الباقر عليهالسلام : « أوّل كلّ كتابٍ نزل من السماء : بسم الله الرحمن الرحيم » (٤).
ومنها : امتثال الأوامر الواردة عن النبيّ المجيد وآله المعصومين خلفائه على الطارف والتليد ، الحاثّة على ذلك بما ليس عليه مزيد ، ففي تفسير الإمام عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حدّثني عن الله عزوجل أنَّه قال : كلّ أمر ذي بالٍ لم يذكر فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر » (٥).
وفيه أيضاً وفي ( التوحيد ) عنه عليهالسلام : « مَنْ تركها مِن شيعتنا امتحنه الله بمكروه لينبّهه على الشكر والثناء ، ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه [ قول بسم الله الرحمن الرحيم (٦) » (٧) ].
__________________
(١) فصّلت : ٤٢. (٢) النمل : ٣٠.
(٣) النمل : ٣٠.
(٤) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٣.
(٥) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٥ / ٧ ، باختلاف.
(٦) من المصدر.
(٧) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٢ / ٧ ، التوحيد : ٢٣١ / ٥ ، باختلاف.