الإرادة وانتفاء الإفادة.
وإنّما قلنا : إنّه نفاه عنهم أخيراً ؛ لما تقرّر في محلّه من أنّ ( لو ) موضوعةٌ لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضاً في الماضي ، مع القطع بانتفاء الشرط (١) ، والشرط هنا هو قولُهُ تعالى : ( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) ، فيدلّ على انتفاءِ العلم ، واللهُ العالم.
منشأ دهاء الدهاة
وأمّا قوله : ( ثمّ ما منشأ دهاء الدّهاة ... ـ إلى قوله ـ : أم للعقل فيه مدخليّة ).
فالجوابُ عنه يعرف أيضاً من الجواب عمّا قبله ، ونزيدُهُ وضوحاً فنقول : إنّ حِكْمةَ الحكيم العزيز العليم قد اقتضت أنّ لنفس الإنسان دون سائر الحيوان قوّتين متلازمتين : قوّة عالمة وقوّة عاملة ، فهما له ملازمتان لا ينفكّان ، دون سائر الحيوانات ؛ لبُعْدِها وقصورها عن الجمع للكمالات.
وفي خبر إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليهالسلام : « والعلمُ مقرونٌ إلى العمل ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ ومَنْ عَمِلَ علِمَ ، والعلمُ يهتفُ بالعمَل فإنْ أجابَهُ وإلّا عنه ارتحلْ » (٢). انتهى.
وذلك لأنّ العلمَ صورةٌ والعملَ مادّةٌ ، فكما لا وجودَ للمادّة بلا صورة ولا ثباتَ للصّورة بلا مادّة ، كذلك لا وجودَ للصّورة بلا مادّة ؛ فهما متلازمان لا يفترقان.
والقوّة العاملةُ لا بدّ لها من اكتساب ، ولا شكّ في توقّف المكتسب على تحصيل مقدّمات الاكتساب من الشروط والأسباب ، فإنْ كانت القوّة طوعَ العقل سلكت الحسَنَ وطريقَ اكتسابه ، وتكون حينئذٍ مستقيمةً مطمئنّةً للتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل أوان الفوت ، وإلّا خرجت للاعتقادات الباطلة والحِيَل والمَكْر والخدع ، وانهمكت في الأفعال والأعمال الزائلة ؛ لعصيانها بالتجافي عن دار الخلود والسعود والإنابة إلى دار الغرور والشرور ،
__________________
(١) شرح ابن عقيل ٤ : ٦٧.
(٢) الكافي ١ : ٤٤ / ٢ ، البحار ٢ : ٤٠ / ٧١.