وهذا على رأي الأشاعرة من أنَّ جميع الأفعال مخلوقة له تعالى (١) ظاهر لا ريب فيه ؛ لأنَّ كلّ جميل فهو له خَلْقاً وتمكيناً ، ولاختصاص الحمد بالأفعال الاختياريّة ، ولا اختيار لغيره سبحانه وإنّما العبد مختار في صورةٍ ، مضطر في أُخرى ، فيختصّ الحمد به ولا يسري إلى غيره.
وبيانه أنَّهم ذهبوا إلى أنَّه لا مؤثِّر في الوجود إلّا الله سبحانه ، وليس شيء مؤثِّراً في شيء أصلاً ، فجميع أفعال العباد من الصلاح والفساد صادرة عندهم من الله الجواد ، وليس لهم منها إلّا الكسب الذي هو عند أكثرهم الإرادة والاختيار ، بمعنى أنَّ العبد إذا أراد الطاعة أو المعصية فعلهما الله فيه. فأصل الفعل من القادر المختار وليس للعبد سوى الاختيار فيه ، فمن حيث إنَّه لا قدرة له على إيجاد الفعل ، حيث إنَّ الموجد هو الله تعالى يتّصف بالاضطرار ، ومن حيث صدور ذلك الفعل منه تعالى بعد اختياره وإرادته يوصف بالاختيار.
وفساد هذا القول الشنيع أظهر من الشمس في رابعة النهار ( سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً ) (٢) ، ( فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً ) (٣) ( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (٤).
وأمَّا على مذهب الإماميّة ، فلأنَّ تمكين العباد وإقدارهم على الأفعال الحسنة منه تعالى ؛ لأنَّ أُصول النعم وفروعها منه ، وأمَّا مُلْكُ غيرهِ فتسليطٌ منه واسترعاء ، فهو المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فبهذا صحّ رجوع المحامد إليه وقصرها عليه ؛ لاستناد ما يصدر منّا إلى جوارحنا وقدرتنا وإرادتنا ، وكلّها مستندة الى جوده ومتفرّعة على وجوده. فيصير توفيقه إيّاهم لحمده وشكره من جملة النعماء
__________________
(١) شرح المواقف ٨ : ١٤٥ ١٤٦ ، شرح المقاصد ٤ : ٢٢٣ ٢٢٤.
(٢) الإسراء : ٤٣.
(٣) الفرقان : ٤.
(٤) الإسراء : ٤٣.