معنى الشكر وفلسفته
وأمَّا الشكر ، فالمشهور المنصور أنَّه لُغَةً (١) مرادفٌ للحمد المذكور ، فيجري فيه ما يجري فيه حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ، بل لم يخالف فيه إلّا السيّد الشريف ، فاعتبر فيه وصول النعمة إلى الشاكر ، فجعل النسبة بينهما العموم المطلق مع احتماله الترادف أيضاً ، بناءً على عدم التقييد كما هو الظاهر ، إذ ما لعلّه يصلح دليلاً له ضعيفٌ قاصرٌ.
وأضعف منه ما عن بعض شرّاح ( الكشّاف ) مِنْ أنَّ الشكر اللّغوي لا يكون إلَّا باللسان. ولعلّه لما عن ( مجمل اللغة ) من تعريف الشكر بالثناء على الإنسان بما يوليكه (٢). وتعريفهُ الثناء بالكلام الجميل (٣) بناء على أنَّ الثناء لا يكون الّا باللسان ولا يكون بغيره ولو مجازاً.
وفيه : مع عدم استلزامه الاختصاص باللسان ، أنَّه معارَضٌ بما عن غير واحد من عدم الاختصاص ، فعن الخطابي التصريح بأنَّ الثناء يُطلق حقيقة على ما ليس باللسان ، كما في قولك : أثنى اللهُ سبحانه على ذاته ، وكما في الحديث : « أنْتَ كما أثنَيتَ على نَفْسِكَ » (٤).
وعن الجوهري والزمخشري أنَّ الثناء هو الإتيان بما يُشعر بالتعظيم مطلقاً ، سواء كان بآلةِ اللسان أو بغيرها (٥) ، بل قد يستفاد من تعريف الحمد اللغوي بالثناء باللسان كما صدر من غير واحد من الأعيان ، إذ لو اختصّ الثناء به لكان ذكره حشواً تُصان منه التعاريف ويستهجنه الذوق اللّطيف.
__________________
(١) كتاب العين ٥ : ٢٩٢ / باب الكاف والشين والراء معهما. لسان العرب ٣ : ٣١٤ حمد.
(٢) مجمل اللغة ٣ : ١٧٣ / باب الشين والكاف وما يثلثهما.
(٣) مجمل اللغة ١ : ٣٧١ / باب الثاء والنون وما يثلثهما.
(٤) البحار ٨٨ : ٨٧ ، و ٩٤ : ١٩٦ ، وفيه : « وأنت » بدل « أنت ».
(٥) نقل ذلك حسن الچلبي في حاشيته على المطوّل : ٤٠.