به من علمائنا الأخيار ، بل يستفاد من عبارات أصحابنا السابقة عدم الخلاف في رجحان القراءة ، وإنّما الخلاف في الوجوب أو الاستحباب ، بل قد يستفاد من كثير من الأخبار وكلمات القدماء الأخيار أنّ جعل المسبوق ما أدركه أوّل الصلاة الذي هو معقد كثير من الإجماعات كنايةٌ عن قراءته في ما يدركه من الركعات ، ومن أصرحها عبارة الشيخ رحمهالله في ( النهاية ) حيث قال : ( ومَنْ فاتته ركعة مع الإمام أو ركعتان فليجعل ما يلحق معه أوّل صلاته ، فإذا سلّم الإمام قام يتمّم ما قد فاته ، مثال ذلك : مَنْ صلّى مع الإمام الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة وفاتته ركعتان ، فليقرأ في ما يلحقه الحمد وسورة ) (١) .. إلى آخره ، كما مرّ مضمون صحيح زرارة.
والإنصاف أنّ تلك الأخبار إنّما سيقت للردّ على الأشرار ، الجاعلين آخر صلاة الإمام آخر صلاة المسبوق.
وبالجملة ، فما في ( المدارك ) بعد قوله : ( إنّ مقتضى الروايتين يعني : صحيح زرارة (٢) وابن الحجّاج (٣) أن المأموم يقرأ خلف الإمام إذا أدركه في الركعتين الأخيرتين ) : ( إنّ كلام أكثر الأصحاب خالٍ من التعرّض لذلك ) (٤) ، لا يخلو من نظر للسالك.
وفي ( الرياض ) إنّ الوجوب قول أعيان القدماء ، كالشيخ (٥) ؛ والحلبي (٦) ، والمرتضى (٧) ، والكليني ، والصدوق (٨). واختاره هو ؛ لقوّة أدلّته ، وضَعْفِ معارضها.
قلت : وهو كذلك ، إذ قصارى ما استدلّ به للاستحباب الجمع بين ما هنا وبين إطلاقات سقوط القراءة عن المأموم ، الذي شموله للمسبوق غير معلوم ، بل انصراف الإطلاقات إلى غيره هو المعلوم ، ولو سلّم فلا بدّ من حمل المطلق على المقيّد ، والعامّ على الخاصّ ، فالتنافي معدوم.
__________________
(١) النهاية : ١١٥.
(٢) التهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨ ، الوسائل ٨ : ٣٨٨ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٤٧ ، ح ٤.
(٣) الكافي ٣ : ٣٨١ / ١ ، الوسائل ٨ : ٣٨٧ ، صلاة الجماعة ب ٤٧ ، ح ٢.
(٤) المدارك ٤ : ٣٨٣.
(٥) النهاية : ١١٥ ، التهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨.
(٦) الكافي في الفقه ( الحلبي ) : ١٤٥.
(٧) رسائل المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : ٤١.
(٨) رياض المسائل ٣ : ٧٥ ـ ٧٦ ، بالمعنى.