فالوجه الأخير يشارك الأوّل في استغراق أفراد ما استعمل فيه المدخول واستدعاء إخراج المشكوك فيه عن الاستغراق الدليل ، على خلاف الثانى ، فإنّ إدخاله يطالب الدليل اقتصارا على القدر المعلوم من العهد. وإذا كان المعهود نوعا يقتصر فيه على النوع المعلوم ، إلّا أنّه يفيد العموم بالنسبة إلى النوع المعلوم ، ولكنّه أيضا عموم إطلاقيّ لا وضعيّ.
ويشارك الثانى في جواز خروج أكثر أفراد معنى المدخول ، نظرا إلى كونه من باب التقييد الغير الممتنع منه ذلك لا التخصيص ، على خلاف الأوّل.
ثمّ إنّ تشخيص كون إرادة البعض من لفظ الجمع المحلّى من أيّ تلك الوجوه يمكن بملاحظة الدليل المخرج على حسب فهم العرف.
فإنّه على العهد لا بدّ أن يكون ذلك عهدا بين المتكلم والسامع ، بحيث يصلح لانصراف اللفظ إليه مع متفاهم أهل العرف والإشارة باللام إليه ، سواء كان هو حضور المعهود نحو ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) ، أو ذكره صريحا كقوله تعالى : ( الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ) (٢) ، أو مكنيّا عنه كقوله تعالى ( لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى ) (٣) ، والعهد الذكري يعمّ المتصل وغيره.
ومنه ما إذا قال المولى لعبده : اكنس كلّ يوم البيت الفلاني والفلاني إلى خمسة مثلا وفي داره عشرون بيتا ، ثم قال له يوما : اكنس البيوت فاذهب إلى السوق ، فإنّه ظاهر في الخمسة المعهودة ، والمناط فهم العرف ، فلو لم يفهم منه العهد وإن سبق ذكره لا ينصرف إليه ، كقوله تعالى ( جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ
__________________
(١) المائدة (٥) : ٣.
(٢) النور (٢٤) : ٣٥.
(٣) آل عمران (٣) : ٣٦.