فقال معاوية : إنّ في نفسي منكم لحزازاتُ يا بني هاشمٌ ، وإنّي لخليق أن أدرك فيكم الثأر ، وأنفي العار ، فإنّ دماءنا قبلكم ، وظلامتنا فيكم.
فقال ابن عباس : والله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أُسداً مخدّرة ، وأفاعي مطرّقة ، لا يفثؤها كثرة السلاح ، ولا تعضها نكاية الجراح ، يضعون أسيافهم على عواتقهم ، يضربون قدماً قدماً من ناواهم ، يهون عليهم نباح الكلاب ، وعواء الذّئاب ، لا يفاتون بوتر ، ولا يسبقون إلى كريم ذكر ، قد وطّنوا على الموت أنفسهم ، وسمت بهم إلى العلياء هممهم ، كما قالت الأزدية.
قوم إذا شهدوا الهياج فلا |
|
ضرب ينهنههم ولا زجر |
وكأنّهم آساد غيلة قد |
|
غرثت وبلّ متونها القطر |
فلتكونن منهم بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك ، وكان أكبر همك سلامة حشاشة نفسك ، ولولا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم ، وبذلوا دونك مهجهم ، حتى إذا ذاقوا وخز الشفار وأيقنوا بحلول الدمار ، رفعوا المصاحف مستجيرين بها وعائذين بعصمتها ، لكنت شلواً مطروحاً بالعراء ، تسفي عليك رياحها ، ويعتورك ذبابها ، وما أقول هذا أريد صرفك عن عزيمتك ، ولا أزالتك عن معقود نيتك ، لكن الرحم التي تعطف عليك ، والأواصر التي توجب صرف النصيحة إليك.
فقال معاوية : لله درك يا ابن عباس ، ما تكشف الأيام منك إلاّ عن سيف صقيل ، ورأي أصيل ، وبالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عددهم ،