ابن عباس مع عمر بن الخطاب في أيام خلافته
قال ابن عباس : ( عجباً لمن يطلب أمراً بالغلبة وهو يقدر عليه بالحجة ، فالحجة دين يعتقد به الطاعة ، وسلطان الغلبة يزول بزوال القدرة ) (١).
هكذا كانت فلسفة ابن عباس في مبدئه الحواري مع الآخرين من الحاكمين وغيرهم ، وهي فلسفة صحيحة لمن ملك مقوماتها وأحسن استعمالها ، ولقد قرأنا في سيرة ابن عباس وتاريخه في عهد عمر معاشرتهما ، كما في الحلقة الأولى في الجزء الثاني قرأنا بعض المؤشرات على قوّة نشاط ابن عباس في ذلك العهد ، فقلت في مقدمة ذلك :
( لا بد لنا من مقدمة نستوحي منها بعض المؤشرات على قوّة نشاط الحبر في ذلك العهد. ونتعرف من خلالها أسباب ذلك التمازج العملي ـ إن صح التعبير ـ مع شدّة التنافر الفكري بين الشخصين ، خصوصاً في أمر الخلافة التي هي بداية الخلاف في الأمّة ، والتي كان ابن عباس يقول فيها بالنص ، وكان عمر يقول فيها بالإختيار. فهما على طرفي نقيض في تلك النقطة المهمة ، ومن ذلك نعرف مدى التباعد بين الرؤى في العقيدة عند الرجلين مع شدّة التقارب بين الشخصين في الحضر والسفر ، بينما يرى
____________________
(١) محاضرات الراغب ١ / ٣٣ ط الشرقية.