حقائق مغيّبة في عيابات المؤرخين
إنّ العرب تكني عن القلوب والصدور بالعيبات ـ جمع عيبة ـ من قولهم : فلان عيبة فلان ، إذا كان موضع سرّه ، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الإمام عليّ عليه السلام : ( عليّ عيبة علمي ) (١) ، وقد رواه عنه ابن عباس كما في ( تاريخ ابن عساكر ) وغيره (٢).
ولمّا كنّا نبحث في هذا الجزء عن مأثورات ابن عباس رضي الله عنه وهي من الكثرة والوفرة ما أعجز عن الإحاطة بها جميعها. فنود لفت نظر القارئ إلى أنّ تلك الكثرة والوفرة قد أصابتها أياد أثيمة وقلوب سخيمة على أسوء الظن ، وأياد سليمة ولكنّها مع قلوب سقيمة تشعر بالهزيمة على أحسن الظن. فافقدتنا كثيراً من الحقائق التي تدين السالفين الخالفين ، فضاعت في عيابات المؤرخين وغيابات الحاقدين ، وما وصل إلينا فيما بين ذين وذين يغني كلّ ذي عين ، بأنّ ابن عباس أصاب مأثوراته نصيب غير منقوص ، في تغييب بعض النصوص ، على أنّ ما وصل إلينا أيضاً لا يخلو
____________________
(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ٤ / ٣٥٦ وفي طبعة بيروت العلمية ٤ / ٤٦٩ ، وللمناوي في شرح الحديث كلام نافع جامع ، فليراجع.
(٢) تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام علي ٢ / ٤٨٢ تحقيق المرحوم الشيخ المحمودي ، وقد روى الحديث المتقى الهندي في كنز العمال في مواضع متعددة منها ١٢ / ١٣ ، و ١٢ / ٢٠٣ ط حيدر آباد ( الثانية ) برقم ( ١١٥١ ) بلفظ ( علي عتبة علمى ) عد ـ ، وقد علق المحقق في الهامش فقال : كذا في المطبوع ونظ ، وفي المنتخب عيبة ، وهو الظاهر كما في حديث آخر الأنصار كرشي وعيبتي / ١٠٦ ، راجع الطبعة الثانية ٣ / ١٦١.
أقول : وهذا بعض شواهد التعتيم المتعمد على فضائل الإمام عليه السلام ممّا لا يحصى ولا يعد.