وأولئك أرجح ميزاناً وأعلى شأناً من ابن الزبير ، فأين هو من ابن عباس أو ابن عمر أو عبد الله بن عمرو بن العاص أو أبي برزة الأسلمي وغيرهم ، ممّن كانوا يتحدثون بما سمعوه من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في المستحل لحرمة البيت فابن عباس يسمي ابن الزبير وبني أمية بالمستحلين لحرم الله ، ويتمنى لو فسح له عن بصره لكان له مع ابن الزبير وبني أمية شأن كما سيأتي بيان ذلك. وكان يبخّل ابن الزبير ويبكّته على بخله ، وستأتي شواهد ذلك أيضاً. وكان يغضّ منه على رؤوس الملأ المسلمين غير هيّاب له ، ويضع من كبريائه حين يراه يشمخ ويستعلي على الناس بكلامه.
فقد روى الإمام يحيى بن الحسين المرشد بالله ـ أحد أئمة الزيدية ـ في كتابه الأمالي الخميسية بسنده عن الشعبي : « أنّ عبد الله بن عباس دخل المسجد الحرام وقد سار الحسين بن عليّ ( عليه السلام ) إلى العراق ، فإذا هو بعبد الله بن الزبير في جماعة من قريش وقد استعلاهم بالكلام ، فجاء ابن عباس حتى ضرب بيده على عضد ابن الزبير فقال : أصبحت والله كما قال الأوّل :
يا لك من قنبرة بمعمر |
|
خلالك الجو فبيضي واصفري |
ونـقـرّي مـا شـئـت أن تـنـقـري
خلت والله يا بن الزبير الحجاز من الحسين بن عليّ ، فأقبلت تهدر في جوانبها.
فغضب ابن الزبير وقال : والله يا بن عباس إنّك لترى أنّك أحق بهذا الأمر مني.
فقال ابن عباس : يا بن الزبير إنّما يرى من كان في شك ، وأنا من ذلك على يقين.
قال ابن الزبير : بأي شيء استحق عندك أنّكم أحق بهذا الشأن مني؟