الإمام وابن عمه وجميع من كانوا معه في نفي الحلم عنه؟ أليس ذلك الموقف كان حجة الأعمش وسفيان بن عيينة في نفي الحلم عنه؟ فهل كان ابن عباس دونهما فهماً وعلماً؟ ألم يقل معاوية : « ما أعد نفسي حليماً بعد قتلي حجراً واصحاب حجر » (١) ومعلوم تاريخياً أنّ قتل حجر كان سنة إحدى وخمسين من الهجرة ، وفحوى ما نسب إلى ابن عباس من الوصف كان بعد عشر سنين تقريباً وفي أيام يزيد بعد عهد معاوية الّذي هلك سنة ٦٠ من الهجرة ، وتولى ابنه بعده ، وكم جرائم رآها وشتائم سمعها تبعد وصف الحلم عن معاوية.
وأمّا وصفه بالجود فيكفي في تكذيبه حوار ابن عباس معه وقد مرّ قريباً حيث لحقه إلى الروحاء ليأخذ عطاء بني هاشم وقد حرمهم معاوية لعدم مبايعة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ليزيد ، فأخذه ابن عباس بعد تهديد ووعيد فراجع.
وأمّا نسبة وصف يزيد بأنّه كان في خير سبيله وكان أبوه قد أحكمه وأمره ونهاه فتعلق بذلك وسلك طريقاً مذللاً له فأحسن ما أراه لو صحت الأنباء هو حكاية واقع حال ، فقد وطأ له أبوه المسالك ، وذلّل المصاعب بارتكاب الموبقات والمهالك ، وتعجبني كلمة طه حسين فقد قال : « وكان يزيد فتى من فتيان قريش صاحب لهو وعبث ، محباً للصيد ، مسرفاً على نفسه في لذاته ، مستهتراً لا يتحفظ وكان ربّما أضاع الصلاة ، فأخذه أبوه بالحزم ، وأغزاه الروم ، وأمّره على الحج ، يمهد بهذا كلّه لتوليته العهد ، فلمّا رأى من سيرة يزيد ما أرضاه ، حزم أمره وأعلن تولية يزيد عهده ، وكتب في ذلك إلى الآفاق ...
وكذلك استقر في الإسلام لأوّل مرة هذا الملك الّذي يقوم على البأس والبطش والخوف ، والّذي يرثه الأبناء عن الآباء ، وأصبحت الأمة كأنها ملك
____________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٦ ط الغري.