فيفقده ، ومع ذلك ففيه تخفيف اللوعة بنزول الدمعة ، ولعل قول ذي الرمة خير معبّر في تصوير تلك الحال :
خليلي عوجا من صدور |
|
الرواحل بجهور حزوى وابكيا في المنازل |
لعل انحدار الدمع يعقب راحة |
|
من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل |
ولقد ذكر في كتب السيرة أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى عند فقده أحبته ، وآخرهم ابنه إبراهيم فقال : (إنّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما لا يرضي الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون) (١).
وكلّما عظمت الرزية وجلت المصيبة عظم الحزن بها ، واشتد الوجد بصاحبها ، ومهما بلغ في إيمانه مقاماً رفيعاً لتستولي عليه أحزانه ، فيفزع إلى البكاء ليخفّف من غلواء المصاب ، فان في إفاضة الكئيب لدمعته ما يذهب من لوعته ، وفي ارساله لعبرته ما يعينه على سلوته ، وهذا ممّا لا شك فيه ، لكن ليس انسكاب الدموع يذهب ما في نفس المفجوع ، فلئن سكنت النفس آناً ما إلى رشدها ، وتأسى صاحبها بالصبر على عظيم فقدها ، إلاّ أنّ الذكرى تؤجج جذوة الحزن ، فمتى استثيرت ثارت ، فتحول الحزن إلى بركان يثور ، وعندما يلحّ الواجد الفاقد الحزين بالبكاء وتبيضّ عيناه من الحزن فيفقد بصره ، كما مرّ في أمر يعقوب (عليه السلام). وكان ابن عباس مثله في هذا الباب فيما يروي الرواة ، قال سفيان ابن عيينة : « كانوا يروون أنّ ابن عباس إنّما ذهب بصره لكثرة البكاء على عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) » (٢).
____________
(١) السيرة الحلبية وسيرة زيني دحلان وغيرهما.
(٢) تيسير المطالب في امالي الإمام أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني المتوفى سنة ٤٢٤ هـ ط بيروت سنة ١٣٩٥ هـ.