فاستلأم ولبس درعاً وكفرها (١) وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلاّ كذلك ، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة » (٢).
وإذا لم نقف على مثل خطته تلك في البصرة لاغتيال ابن عباس ، فلا يعني عدم محاولته لأنّه لم يصل الينا خبرها ، كيف وهو كان يحسب لابن عباس أيضاً حسابه كثاني عنصر يأتي بعد الإمام الحسن (عليه السلام) عليه أن يتخلص منه ، وحسبنا محاولته اختراق حدود ولايته في تهديده زياد ابن أبيه عامل ابن عباس على فارس.
فقد روى الطبري في تاريخه عن عمر بن شبة بسنده عن الشعبي قال : « كتب معاوية حين قتل عليّ (عليه السلام) إلى زياد يتهدّده فقام خطيباً فقال : العجب من ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق ورئيس الأحزاب كتب إليّ يتهددني وبيني وبينه ابنا عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ يعني ابن عباس والحسن بن عليّ ـ في تسعين ألفاً واضعي سيوفهم على عواتقهم ، لا ينثنون ، لئن خلص إليّ الأمر ليجدني أحمَز ضرّاباً بالسيف ... » (٣).
ونتيجة لتمادي الأمور سوءاً حين كثرت تجاوزات معاوية ، كتب ابن عباس إلى الإمام الحسن (عليه السلام) كتاباً يُعتبر بحق من خيرة كتبه بياناً وتبياناً ، يحرّضه على إنتهاج سياسة الترغيب مع الأولياء ، والترهيب مع الأعداء ، ولنقرأ نصه كما ذكره المؤرخون لنتملّى معانيه ، ونتفهّم مبانيه ، ونتعامل معه كوثيقة تاريخية ذات دلالة عالية ، فهو خلاصة تجاربه في الحياة ، ونتيجة دربته وحنكته السياسية ، عاشها في السلم وفي الحرب.
____________
(١) كفر عليه يكفر غطّاه والشيء ستره (قاموس).
(٢) علل الشرائع للصدوق ١ / ٢٨٣ منشورات مكتبة الشريف الرضي بقم.
(٣) تاريخ الطبري ٧ / ١٤ افست ليدن ، و ٦ / ٩٧ ط الحسينية ، و ٥ / ١٧٠ ط دار المعارف.