والتخاذل ، ويتوعدهم إن أصروا على ذلك بوقعة لا يكون يوم الجمل عندها إلاّ كلعقة لاعق. وورد جارية البصرة ونهض معه جماعة من الأزد ، وانتهى أمر ابن الحضرمي إلى أن حصر ومعه جماعة وأبى أن يستسلم فأحرق جارية عليهم البيت ، فهلك ابن الحضرمي وسبعون من أتباعه ، وسمي جارية من ذلك اليوم محرّقا. وانتهت فتنة ابن الحضرمي ، وخاب سعي معاوية ، وبلغ الإمام الخبر فأثنى على جارية ومن ناصره وقال في البصرة : (أوّل القرى خراباً إمّا غرقاً أو حرقاً حتى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة) » (١).
وهنا نقف قليلاً لنتساءل : لماذا لم يرجع ابن عباس إلى البصرة ـ مقر عمله ـ فيتولى هو معالجة الموقف بنفسه حسب ما يقتضي به الحال ، وهو الخبير به لسابق معرفته مع حنكته وتجربته؟
وهذا سؤال يبدو وجيهاً ، ولابدّ له من جواب.
وإذا تلمسنا الجواب نعرفه من خلال ما مرّ بنا من مجريات الأحداث بدءاً من أوّل أيام ولايته على البصرة وانتهاءً به إلى حادثة فتنة ابن الحضرمي.
فإنّه لا يخفى على من استذكر ما مرّ بنا من تاريخ حياته بالبصرة ، وأعدنا قراءة نشاطه الإداري والسياسي ، وعرفنا كيف كان يتعامل مع أهل البصرة على ضوء التركيبة السكانية ، ولا يهمل جانب الموالاة للحكم ـ بل لم يتسامح ـ مع الذين كانوا في حرب الجمل قد وقفوا ضدّه. فهو قد تنمّر لبني تميم ، وهم أيضاً قد تنمّروا له ، وقد كتب إليه الإمام (عليه السلام) في ذلك ليخفّف من شدّته وتغيير موقفه معهم.
____________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٣٥٢.