عامرة من الضلالة قد بدلت سنة الله وتعديت حدوده ولا يدعون إلى الهدى ولا يقسمون الفيء ولا يوفون بذمة يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا قد أتوا الله بالافتراء والجحود واستغنوا بالجهل عن العلم ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة وسموا صدقهم على الله فرية وجعلوا في الحسنة العقوبة السيئة وقد بعث الله عز وجل إليكم
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « ومن قبل ما مثلوا » هذا من قبيل قوله تعالى « وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ » ويحتمل وجهين.
الأول : أن تكون ما زائدة ، أي ، من قبل ذلك مثلوا بالصالحين.
والثاني : أن تكون مصدرية على أن محل المصدر الرفع بالابتداء وخبره الظرف ، أي وقع من قبيل تمثيلهم بالصالحين.
قال الجزري : مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به ، ومثلت بالقتيل ، إذا جدعت أنفه أو أذنه ومذاكيره ، أو شيئا من أطرافه ، والاسم المثلة ، فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة (١) انتهى.
والحاصل : أن المراد أن هؤلاء الأشقياء الذين يفعلون بعدي تلك الأفعال الشنيعة قد فعل آباؤهم وأسلافهم مثل ذلك بالصالحين في زمن الرسول ، كمحاربة أبي سفيان وأضرابه لعنهم الله ، وتمثيلهم بحمزة وغيره ، وإنما نسب إليهم لرضاهم بفعال هؤلاء وكونهم على دينهم وعلى طريقتهم كما نسب الله إلى اليهود فعال آبائهم في مواضع من القرآن.
ويحتمل أن يكون المراد فعال هؤلاء في بدو أمرهم حتى غلبوا بذلك على الناس واستقر أمرهم.
وقال ابن ميثم وقوله : « ومن قبل ما مثل » إشارة إلى زمن بني أمية الكائن قبل زمن من يخبر عنهم (٢) ولا يخفى أن ما ذكرنا من الوجهين أظهر.
قوله عليهالسلام : « وسموا صدقهم » أي الصالحين قال ابن أبي الحديد قوله
__________________
(١) النهاية ج ٤ ص ٢٩٤.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج ٣ ص ٢٠٢.